الرئيسية منتديات مجلس الفقه والإيمان قصة زواج الامام الجواد ( عليه السلام )

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #17080
    amjadalhwitat
    مشارك

    قصة زواج الامام الجواد ( عليه السلام )
    عن الريان بن شبيب قال : لما اراد المأمون ان يزوج ابنته ام الفضل ابا جعفر محمد بن علي ، بلغ ذلك العباسيين ، فغلظ عليهم واستنكروه منه ، وخافوا ان ينتهي الامر معه الى ما انتهى مع الرضا ( عليه السلام ) فخاضوا في ذلك واجتمع منهم اهل بيته الادنون منه ، فقالوا : ننشدك تزويج ابن الرضا ، فانا نخاف ان يخرج به عنا امرا قد ملكناه الله عز وجل ، وينتزع منا عزا قد البسناه الله ، وقد عرفت ما بيننا قبلك ، من تبعيدهم والتصغير بهم ، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ( عليه السلام ) ما عملت فكفانا الله المهم من ذلك ، فالله الله ان تردنا الى غم قد انحسر عنا ، واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل الى من تراه من اهل بيتك يصلح لذلك دون غيره .
    فقال لهم المأمون : اما ما بينكم وبين آل ابي طالب فانتم السبب فيه ، ولو انصفتم القوم لكانوا اولى بكم ، واما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قطعا للرحم ، واعوذ بالله من ذلك ، والله ما ندمت على ما كان منّي من استخلاف الرضا ( عليه السلام ) ولقد سألته ان يقوم بالامر وانزعه من نفسي فأبى ، وكان امر الله قدرا مقدورا ، واما ابو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لبروزه على كافة اهل الفضل في العلم والفضل ، ومع صغر سنه ، والاعجوبة فيه بذلك ، وانا ارجو ان يظهر للناس ما قد عرفته منه ، فيعلمون ان الرأي ما رأيت فيه .
    فقالوا له : ان هذا الفتى وان رافك منه هديه فانه صبيّ لا معرفة له ولا فقه فامهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك .
    فقال لهم : ويحكم اني اعرف بهذا الفتى منكم وان اهل هذا البيت علمهم من الله تعالى وموادّه والهامه ، لم يزل آباؤه اغنياء في علم الدين والادب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال ، فان شئتم فامتحنوا ابا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله .
    قالوا : قد رضينا لك يا امير المؤمنين ، ولانفسنا بامتحانه فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة ، فان اصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في امره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي امير المؤمنين فيه ، وان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه ، فقال لهم المأمون : شأنكم وذلك متى أردتم .
    فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن اكثم ، وهو يومئذ قاضي الزمان على ان يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها ، ووعدوه باموال نفيسة على ذلك ، وعـادوا الى المأمون وسألوا ان يختار لهم يوما للاجتماع فأجابهم الى ذلك .
    فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن اكثم ، وامر المأمون ان يفرش لأبي جعفر دست ، ويجعل له فيه مسورتان ، ففعل ذلك وخرج ابو جعفر وهو يومئذ ابن تسع سنين واشهر ، فجلس بين المسورتين وجلس يحيى بن اكثم ، بين يديه وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست بجانب دست ابي جعفر ( عليه السلام ) .
    فقال يحيى بن اكثم للمأمون : يأذن لي امير المؤمنين ان اسأل ابا جعفر عن مسألة ؟
    فقال له المأمون : استأذنه في ذلك فأقبل عليه يحيى بن اكثم ، فقال : اتأذن لي جعلت فداك في مسألة ؟
    فقال ابو جعفر ( عليه السلام ) : سل ان شئت .
    قال يحيى : ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا ؟
    فقال ابو جعفر ( عليه السلام ) : قتله في حل ام حرم ، عالما كان او جاهلا ، قتله عمدا او خطأ ، حرا كان المجرم او عبدا ، صغيراً كان او كبيراً ، مبتدئاً بالقتل او معيداً ، من ذوات الطير كان الصيد ام من غيرها ، من صغار الصيد ام من كبارها ، مصراً على ما فعل او نادماً ، في الليل كان قتله للصيد ام في النهار ،
    محرماً كان بالعمرة اذ قتله او بالحج كان محرماً ؟
    فتحير يحيى بن اكثم وبان في وجهه الانقطاع ولجلج حتى عرف جماعة اهل المجلس امره .
    فقال المأمون : الحمد الله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي . ثم نظر الى اهل بيته فقال لهم : اعرفتم الان ما كنتم تنكرونه ؟
    ثم اقبل على ابن جعفر ( عليه السلام ) فقال له : اتخطب يا ابا جعفر ؟
    فقال : نعم ، يا امير المؤمنين .
    فقال له المأمون : اخطب لنفسك جعلت فداك ، قد رضيتك لنفسي وانا مزوجك ام الفضل ابنتي وان رغم قوم لذلك .
    فقال ابو جعفر ( عليه السلام ) : الحمد لله اقرارا بنعمته ، ولا اله الا الله اخلاصاً لوحدانيته وصلى الله على محمد سيد بريته ، والاصفياء من عترته ..
    اما بعد فقد كان من فضل الله على الانام ، ان اغناهم بالحلال عن الحرام ، وقال سبحانه :
    { وَأَنكِحُوا الاَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (النور/32)
    ثم ان محمد بن علي بن موسى خطب ام الفضل بنت عبد الله المأمون ، وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) وهو خمس مائة درهم ، جيادا فهل زوجته يا امير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور ؟
    فقال المأمون : نعم ، قد زوجتك يا ابا جعفر ام الفضل ابنتي على الصداق المذكور ، فهل قبلت النكاح ؟
    قال ابو جعفر ( عليه السلام ) : قد قبلت ذلك ورضيت به .
    فأمر المأمون ان يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة والعامة .
    قال الريان : ولم نلبث ان سمعنا اصواتا تشبه اصوات الملاحين في محاوراتهـم،
    فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة منضودة بالحبال من الابريسم ، على عجلة مملؤة من الغالية ثم امر المأمون ان تخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية ، ثم مدّت الى دار العامة فتطيبوا منها ووضعت الموائد فأكل الناس وجرت الجوائز الى كل قوم على قدرهم (1).
    وقد قيل ان الامام سئل ثلاثين ألف مسئلة ، وبالطبع ان هذه الثلاثين ألف ليست في يوم واحد ، اذ يعتقد ( كما يقول بعض المؤرخين ) ان السؤال كان عبارة عن مجموعة من المسائل الكلية أي ان الامام ( عليه السلام ) كان يطلق بعض القواعد الفقهية ، وتلك القواعد الفقهية كانت تتشعب منها الاحكام ، وقد احص العلماء تلك الاحكام ، فكانت ثلاثين ألف مسئلة ، وكما قال الامام علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) : ” علمنـي رسول الله الف باب من العلم يفتح لي من كل باب الف باب ” .
    يعني الباب الواحد يتحول الى الف باب ، لان القاعدة كلية والحكم عام ، والحكم العام فيه ابواب متعددة ، وكما قال الامام الصادق ( عليه السلام ) حينما بيّن قاعدة فقهية وهي قاعدة الحرج ، قال ان تلك مما يفتح منها الف باب ، يعني هذه القاعدة هي قاعدة عامة تستطيع ان تطبقها على قضايا ومواضيع كثيرة .
    لماذا صاهر الامام الخليفة ؟
    ويأتي سؤال : كيف اقدم الامام الجواد ( عليه السلام ) على الزواج من بنت المأمون العباسي ؟
    الجواب على هذا السؤال بسيط جدا ، بعد ان عرفنا الجواب على سؤال سابق حول قبول الامام الرضا ( عليه السلام ) ولاية العهد من قبل المأمون العباسي ، فنفس الجواب ينطبق هنا .
    هنــاك قلنا انه في عهد المأمون تحولت الحركة الرسالية الى حركــة تستطيع ان
    تكون شيئاً اشبه ما يسمى اليوم بحكومة ائتلافية ، مع أي دولة من الدول من دون ان تفقد الحركة رسالتها وقضيتها . فالأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) لم يقبلوا بالخلافة ولم يشتركوا فيها ، والدليل على ذلك موقف الامام الرضا .
    وهكذا الامام الجواد ( عليه السلام ) حينما خطب ابنة المأمون وتزوجها واصبح صهر الخليفة ، وكان يمكن ان يصير واليا على منطقة ، او حاكما على بلد ، او قاضي القضاة لا اقل ، ولكن الامام الجواد لم يفعل شيئا من ذلك ، بل اخذ بيد زوجته وذهب ال المدينة وبقي هناك حتى مات المأمون العباسي عندما كان في الرقة .
    وكسب الامام الجواد بهذا العمل امرين :
    اولاً : قيد المأمون من ان يقوم بعملية اغتياله ، وذلك بقبوله الزواج من بنت المأمون .
    ثانياً : جعل مخالب السلطة وانيابها في قفص الحركة الرسالية وذلك ان المأمون ما كان ليجرؤ بعد ذلك على ان يقوم بالفتك برجالات الحركة ومجموعاتها .
    ولقد كان هذا الاسلوب متبعا في كثير من عصور الائمة ( عليهم السلام ) وخير شاهد على ذلك قصة علي بن يقطين بن موسى البغدادي الذي كان بمثابة مستشار للخليفة المهدي العباسي ، ثم صار شبه الوزير لهارون الرشيد ، عندما حصل على هذا المنصب وكان اتجاهه رسالياً ، جاء الى الامام الصادق ( عليه السلام ) وقال : يا ابن رسول الله انا صرت عونا لهذا الطاغية .
    والذي يحصل على هذا المركز ذلك اليوم يصبح كل شيء بيده ، ويسيطر على مرافق اكبر دولة في العالم .
    فأجابه الامام ان يظل في عمله ، ويستمر في اداء مهامه الرسالية ويبقى في سلطة هارون ، وعاود الطلب من الامام بان يأذن له بترك العمل عند السلطة ، الا ان الامام لم يأذن له ، ولقد كانت اعماله كبيرة بالنسبة للحركة ، حتى ان الامام ابى الحسن ( عليه السلام ) قال فيه عندما دخل عليه داود الرقي ، في يوم النحر : ماعرض في قلبي احد وانا على الموقف الا علي بن يقطين فانه مازال معي وما فارقني حتى افضت (1).
    والامام الجواد ( عليه السلام ) عاصر خليفة من الخلفاء الذين اثروا تأثيرا مباشرا على زوال الدولة العباسية ، وهو المعتصم العباسي .
    المعتصم العباسي كان ابن امة تركية ، فمال الى اخواله فكان يحب جمع الاتراك وشراءهم من ايدي مواليهم ، فاجتمع له منهم اربعة آلاف ، والبسهم انواع الديباج والمناطق المذهبة والحلية المذهبة وابانهم عن سائر الجنود (2).
    ثم وسمهم رتبا قيادية في الجيش حتى ان نعرة العنصرية ثارت عند العسكريين العرب في الجيش ودبت فيهم روح العصبية العمياء ، فلقد حاول عجيف ان يقلب الحكم على المعتصم ليولي العباس بن المأمون ، ولكن هذه المحاولة اخفقت وقتله المعتصم .
    والاتراك حينما جاءوا الى البلاد الاسلامية .. شيئا فشيئا اخذوا الحكم من المعتصم ، وبعدئذ من ابنه واخذوا يحدثون الانقلابات العسكرية ( كما نسميها الان ) حتى انه وصل بهم الامر ان لا يوقفهم شيء واذا ما مال عنهم أي خليفة عباسي ، فانهم يقتلونه غيلة ، ثم ينصبون رجلا اخر من البيت العباسي . فابتداء من المتوكل الى المستعين الى المهتدي وانتهاء بالمقتدر ، كل هؤلاء قتلوا بواسطة القادة العسكريين الاتراك ، وابتداء من المعتز الى القاهر والمتقي وانتهاء بالمستكفي كلهم ايضا خلعوا ، حتى ان المقتدر غلب على امره وخلع مرتين وذبح في النهاية ، الى ان انتهى الامر الى المطيع العباسي آخر خليفة عباسي والذي لم يكن له ان يأمر او ينهي ثم قتل شر قتلة .
    وهكذا كانوا يقومون بالخلع والقتل لأي خليفة لم يكن تتجاوب اهوائه مع اهوائهم ، وليس ذلك لشيء في تركيبة العنصر التركي ، وانما نتيجة للحالة المترديـة التي وصل اليها المجتمع الاسلامي من الانحلال والفساد الخلقي الشامـل .
    فالمعتصم العباسي كانت هذه سياسته في الحكم ، والامام الجواد استفاد من الوضع افضل استفادة ، لبث الوعي وتغذية الحركة الرسالية التي كانت تضع جنينها للمستقبل .
    ثورة محمد بن القاسم
    ثورة محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن الامام زين العابدين علي بن الحسين ( عليه السلام ) ، كانت ابرز ثورة في عهد الامام الجواد ( عليه السلام ) .
    كانت شخصية محمد بن القاسم جليلة القدر اذا ما قرأنا يوميات جهاده وهنا نستطرد قليلا حول هذه اليوميات .
    كانت العامة تلقبه بالصوفي ، لانه كان يدمن لبس الثياب من الصوف الابيض الخشن ، وكان من اهل العلم والفقه والدين والزهد .
    كان قد ذهب الى مرو في مقاطعة خراسان ، وكان معه من الكوفيين بضعة رجـال ، وذلك بعد ان رحل من الكوفة ، وكان قبل ذلك قد خرج الى ناحية الرقة ، ومعه جماعة من وجوه الزيدية ، منهم يحيى بن الحسن بن الفرات الفراز ، وعباد بن يعقوب الرواجني ، والزيدية كما قلنا كانوا يشكلون القاعدة لكثير من الثورات .
    روى ابراهيم بن عبدالعطار قال : كنا معه ، فتفرقنا في الناس ندعوهم اليه ، فلم نلبث الا يسيرا حتى استجاب له اربعون الفا ، واخذنا عليهم البيعة ، وكنا انزلناه في رستاق من رساتيق مرو ، واهله شيعة كلهم ، فاحلوه في قلعة لا يبلغها الطير في جبل حريز .
    فبينا نحن عنده إذ سمع بكاء رجل واستغاثته ، فقال لي : يا ابراهيم قم فانظر ما هذا البكاء ، فأتيت الموضع فوقفت فيه فاستقربت البكاء حتى انتهيت الى رجل حائـك ، قد اخذ منه رجل من اصحابنا ممن بايعنا لبدا وهو متعلق به ، فقلت : ما
    هذا وما شأنك ؟
    فقال : اخذ صاحبكم هذا لبدي ، فقلت : اردد عليه لبده ، فقال لي الرجل : إنما خرجنا معكم لنكتسب وننتفع ونأخذ ما نحتاج اليه ، فلم ازل ارفق به حتى اخذت منه اللبد ورددته الى صاحبه ، ورجعت الى محمد بن القاسم ، فأخبرته بخبره واني قد انتزعت منه اللبد ورددته على صاحبه ، فقال يا ابراهيم ابمثل هذا ( الذي بايعه ) ينصر دين الله ؟ ثم قال لنا : فرّقوا الناس عنّي حتى أرى رأيي(1).
    فأنتخب الجيدين من الذي بايعوه ثم سار بهم ، وهذا انموذج من طبيعة الثورات الرسالية ، اذ انها لم تكن تبيح اية وسيلة في سبيل الوصول الى الهدف ، بل مثلما يكون الهدف هو اقامة حكم الله عز وجل ، يجب ان تكون الوسيلة ايضا مرضية من قبل الله تعالى . وهذا كان يربي المجتمع على عشق المثل العليا ، والمبادئ السامية . وبعدما انتقى اصحابه ساروا الى الطالقان .
    ويروي ابراهيم صاحبه : ورحل محمد بن القاسم من وقته الى الطالقان ، وبينها وبين مرو اربعون فرسخا ، فنزلها وتفرقنا ندعو الناس فاجتمع عليه عالم ، وجئنا اليه ، فقلنا له : ان اتممت على امرك ، وخرجت فنابذت القوم ، رجونا ان ينصرك الله ، فاذا ظفرت اخترت حينئذ من ترضاه من جندك ، وان فعل كما فعلت بمرو ( بقصد اختيار الجيدين فقط ) ، اخذ عبد الله بن طاهر بعقبك ، فأصلح من اسلامك ايانا ونفسك اليه ، ان تجلس في بيتك ، ويسعك ما يسع سائر اهل بيتك ، فأتم عزمه وخرج في الناس . ودخل محمد بن القاسم مع عبد الله بن طاهر في حروب كثيرة وكان يلحق بابن الطاهر شر الهزائم .
    ومرة هدأت صولات الحرب بينهما فسارع عبد الله بن طاهر بأرسال كل جيوشه مقسمة في فرق ضمن خطة ماكرة جدا ، وقال ابن طاهر لاحد قواد جيشه : قد جردت لك الف فارس من نقبة عسكري ، وامرت ان يحمل معك مائة الف درهم تصرفها فيما تحتاج الى صرفها من امورك ، وخذ من خيلي ثلاثة افراس نجيبة معك تنتقل عليها ، وخذ بين يديك دليلا قد رسمته لصحبتك فادفع اليه من المال الف درهم ، واحمله على فرس من الثلاثة فليركض بين يديك ، فاذا صرت على فرسخ واحد من ” نسا ” ( وهي المدينة التي يتواجد فيها محمد بن القاسم ) فافضض الكتاب واقرأه واعمل بما فيه ولا تغادر منه حرفا ، ولا تخالف مما رسمته شيئا ، واعلم ان لي عينا في جملة من صحبك ، يخبرني بانفاسك ، فاحذر ثم احذر ثم احذر وانت اعلم .
    وهذا يبين مدى خوف ابن طاهر من ان يكون قائده يميل الى صف محمد بن القاسم ، فلقد كان ذلك شيئاً طبيعياً ، لأن نفوس الناس كانت مع الحركة الثورية، ولكن السلطات مرة بالتهديد ومرة بالاغراء ، ومرة بالافساد ومرات باساليبها المختلفة كانت تجلب وتسخر الناس في ضرب الحركة الرسالية ، حتى ان ابن طاهر يقول : جعلت عيونا عليك يرقبون انفاسك .
    فسار قائده الى ” نسا ” وقبل ان يصل بفرسخ فتح كتاب ابن طاهر واذا فيه الخطة كاملة ، والبيت الذي ينزل فيه محمد بن القاسم ، وصاحبه ابو تراب ، ويأمره فيه ان يستوثقهما بالحديد ، استيثاقا شديدا ، وان ينفذ خاتمه مع خاتم محمد بن القاسم ، اول ما يظفر به ، وقبل ان يعود خطوة واحدة لكي يطمئن ، وعلى الذي يرسلهما معه ان يركض بهما ركضا ، ثم يكتب اليه شرح ما حدث .
    قال ابن طاهر في آخر الرسالة وكن على غاية التحرز والتحفظ والتيقظ من امره حتى تصير به وصاحبه الى حضرتي .
    نجحت الخطة وحمل محمد بن القاسم مع صاحبه ابي تراب الى ابن طاهر في نيسابور ، فجاء ابن طاهر ليراهما فقال لقائده :
    ويلك يا ابراهيم ( ابن غسان بن الفرج العودي ) اما خفت الله في فعلك (يقصد القيود الثقيلة جدا التي وضعها على محمد وصاحبه) اتقيد هذا الرجل الصالح بمثل هذا القيد الثقيل ؟
    فقال ابراهيم العودي قائده : ايها الامير خوفك انساني خوف الله ووعدك الذي قدمته اليّ اذهل عقلي عما سواه .
    وكانا يتكلمان من فوق سطح يطل على الغرفة المسجون بها محمد بن القاسم، في نيسابور .
    فقال ابن طاهر : خفف هذا الحديد كله عنه ، وقيده بقيد خفيف في حلقته رطل وليكن عموده طويلا ، وحلقتاه واسعتين ليخطو فيه . وفي فترة سجن محمد بن القاسم طلب قرآنا يتدارس فيه .
    فاقام بنيسابور ثلاثة اشهر يريد بذلك ان يعمي خبره على الناس كيلا يغلب عليه لكثرة من بايعه بكور خراسان .
    وكان عبد الله بن طاهر يخرج من اصطبله بغالا عليها القباب ليوهم الناس انه قد اخرجه ، ثم يردها حتى استتر بنيسابور سلّة في جوف الليل ، وخرج به مع ابراهيـم العودي ووافى به الري وقد امره عبد الله بن طاهر ان يفعل به كما فعل هو ، يخرج في كل ثلاث ليال ومعه بغل عليه قبة ، ومعه جيش حتى يجوز الري بفرسخ ، ثم يعود الى ان يمكنه سلة مظلمة ففعل ذلك خوفا من ان يغلب عليه لكثرة من اجاب محمد بن القاسم بالبيعة له ، حتى اخرجه من الري ولم يعلم به احد ، ثم اتبعه حتى اورده بغداد على المعتصم .
    وقد سمع المعتصم بمسير محمد الى بغداد ، فارسل الى طاهر العودي ان انزع العمامة من عليه واجعله حاسرا وانزع رداء قبة البغل ليكون على البغل حاسرا ، ثم ادخله بغداد .
    وكان يريد بذلك تعذيب محمد نفسيا والحط من كرامته ، وقد ازدحم الناس على الطرقات حين ادخل محمد بن القاسم الى سر من رأى ازدحاماً شديداً ، فادخل على المعتصم وكان في مجلس اللهو والشراب وبين يديه الفراغنة يلعبون فلم يزل واقفا والناس ينظرون إليه حتى فرغ الفراغنة من لعبهم .
    وقيل : وجعلت الفراغنة يحملون على العامة ويرمونهم بالقـذر الميتة والمعتصم
    يضحك ، ومحمد بن القاسم يسبح ويستغفر الله ويحرك شفتيه يدعو عليهم ، والمعتصم جالس يشرب ، ومحمد واقف الى ان انتهى المعتصم من لعبه فأمر بسجن محمد .
    وسرعان ما دبّر محمد بن القاسم حيلة ذكية للهروب ، ثم توارى عن الانظار في بغداد ثم الى واسط ، وقد شد وسطه للوهن الذي اصاب فقار ظهره عند عملية هروبه ، وظل محمد مختفيا بعد ذلك الى نهاية عهد المعتصم ، ثم محمد الواثق ، ثم قسم من ايام المتوكل ، وقيل انه اخذ اليه فحمل الى السجن حتى مات في محبسه .
    ولكن ماذا فعل خلال فترة تواريه عن الانظار وهي ليست بالفترة القليلة ؟ هذا ما اجابت عليه الثورات العديدة التي قامت بعد ذلك في عهد المتوكل ، والمستعين وما بعده من الخلفاء التي لم تدع الخليفة يلعب ويلهو براحة .
    وفي واسط سكن محمد بيتا يعود الى أم ابن عمه ، علي ابن الحسن بن علي بن عمر بن الامام زين العابدين ( عليه السلام ) وكانت عجوزا مقعدة ، فلما نظرت اليه وثبت فرحا وقالت : محمد والله ، فدتك نفسي واهلي ، الحمد لله على سلامتك ، فقامت على رجلها وما قامت قبل ذلك بسنين .
    وقال ابراهيم العودي ، قائد جيوش ابن طاهر يصف محمد :
    ما رأيت قط اشد اجتهادا منه ولا اعف ولا اكثر ذكرا لله عز وجل مع شدة نفس ، واجتماع ما ظهر منه جزع ولا انكسار ولا خضوع في الشدائد التي مرت به ، وانهم ما راوه قط مازحا ولا هازلا ولا ضاحكا الا مرة واحدة ، فانهم لما انحدروا من عقبة حلوان اراد الركوب ، فجاء بعض اصحاب ابراهيم ابن غسان العودي ، فطأطأ له ظهره ، حتى ركب في المحمل على البغل ، فلما استوى على المحمل قال للذي على ظهره مازحاً : أتأخذ ارزاق بني العباس وتخدم بني علي بن ابي طالب ؟ وتبسم .
    وقال : عرضوا على محمــد بـن القاســم كل شيء نفيس من مال وجوهر وغير
    ذلك ، فلم يقبل الا مصحفا جامعا كان لابن طاهر ، فلما قبله سر عبد الله بن طاهر بذلك ، وانما قبله لانه كان يدرس فيه .
    ووجود شخصية ثورية مثل محمد وثورة مثل ثورته تدل ان الحركة الرسالية لم تتوقف يوما ما عن مسيرتها ، وانها لا يمكن ان تميل عن استقامتها التي كانت معهودة بها ، وهاتان ميزتان موجودتان في طول الثورات التي قامت بها الحركة الرسالية .
    روى ابن اسباط وعبّاد بن اسماعيل : انا لعند الرضا ( عليه السلام ) بمنى اذ جيئ بابن جعفر ( عليه السلام ) قلنـا : هـذا المولـود المبارك ؟ قال : نعـم هذا المولود الذي لم يولد في الاسلام اعظم بركة منه (1).
    وروى ابو يحيى الصنعاني قال : كنت عند ابي الحسن ( عليه السلام ) فجيئ بابنه ابي جعفر ( عليه السلام ) وهو صغير فقال : ” هذا المولود الذي لم يولد مولود اعظم على شيعتنا بركة منه ” .
    والبركة التي حصلت للحركة الرسالية بولادة الامام الجواد ( عليه السلام ) ليست في ارتفاع الارهاب والاختناق السياسي عنهم ، بل هو في تجذّر الرسالة عقيدة وفكراً وسياسة وفقها ، والى كل مميزات القوة والانتشار الدائم .

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد