أذكر أنني قرأت ذات مرة خبراً مؤلماً وغريباً ولا يخلو من الطرافة كذلك ، وهو القبض على ثلاثة أشخاص في إحدى مدن تركيا ، لقيامهم بسرقة قميصين ومبلغاً من المال لا يساوي دولارا أميركياً واحداً ، بعد أن قاموا بتهديد مالك القميصين والدولار ، وهذا هو الجانب الطريف في الخبر ، في حين الجانب الغريب منه يتمثل في الحكم الذي حكمت به المحكمة على المتهمين الثلاثة ، وهو السجن 22 عاماً لاثنين منهم ، والثالث لمدة 33 عاماً ! وقد قامت والدة أحد المتهمين في قاعة المحكمة بالقول أمام القضاة : إذا كنا من الأغنياء لوقف القاضي والمدعي العام معنا ، ولكن لأننا فقراء ولا نملك المال ، فسيذهب أولادنا إلى السجن .. وهذا هو الجانب الحقيقي المؤلم ..

كم أعشق هذه المواضيع ، ولا أدري سر اهتمامي بها كثيراً وانغماسي في هذا البحر العميق ، عموماً هذه مقاله شيقة للأخ عبدالله العمادي نشرت في صحيفة الوطن ويتحدث فيها الكاتب عن مشكلة تعانيها المجتمعات ونعاني منها في المجتمع الخليجي عامة والعماني خاصة بشكل كبير ومفرط ويفاقم باستمرار.
وربما لم يقصد الكاتب في مقاله دولة بعينها – بعيداً عن المثال المطروح – فهو يعمم هذه المسألة ولا يخصصها ، ولكني أخصصها الآن وأود أن أناقش في مسبباتها…..
فقد سبق وأن قام موظف – يشهد له بالأمانة والإخلاص في العمل ورصيد لا باس به من السنوات في تلك الوزارة وبملف نظيف لا يشوبه شائب – في وزارة حكومية باختلاس – حسب الوصف القانوني للجرم – مبلغ 300 ريال من أموال الوزارة التي يعمل بها أو إن صح التعبير أموال الدولة ، وأثناء التحقيق معه في ملابسات القضية أعترف بجرمه ولكنه أضاف بأنه لم يسرق هذا المبلغ وإنما كان يريد استعارته لليوم التالي وذلك لتوقيعه على شيك عن قيمة قسط سيارة تقريباً وإذا لم يدفع بذلك التاريخ سوف يسجن ويطرد من عمله ويتشرد أطفاله ، عموماً تم محاكمة الموظف وحبسه وطرد من العمل وقد تشردت عائلته بالفعل …….
لكن التساؤل لا زال قائم :
من هو الحرامي ؟؟؟
الذي يسرق الملايين كهواية ولا يسجن ؟؟
أم الذي يسرق بضع ريالات كي يطعم أولاده ويسجن ؟؟
وهل هنالك حرامية لا يسرقون ؟؟