الرئيسية منتديات مجلس أخبار ومقالات قراءة سياسية في كتاب "الأمة المشلولة"

مشاهدة 5 مشاركات - 1 إلى 5 (من مجموع 5)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #1534

    التاريخ يعيد نفسه هذه المقولة مشهورة يتداولها الكتاب و المفكرون من أمد بعيد. و الأحداث الجارية الآن على الساحة العربية و خصوصا ما يتعلق منها بالحرب بين العراق و إيران و لجوء الكويت للاحتماء بالمظلة الأمريكية و غزو العراق للكويت و مرة ثانية لجوء الكويت و السعودية للاحتماء بالولايات المتحدة ستنتقل يوما ما من صفحات الأحداث الراهنة إلى صفحات الأحداث التاريخية و سنراها على الفضائيات في برنامج حدث في مثل هذا اليوم من عام كذا.

    قبل أيام و قع في يدي كتاب ممتع عنوانه الأمة المشلولة ، تشريح الانحطاط العربي للكاتب محي الدين صبحي. في هذا الكتاب مقالات منوعة من النقد القاسي تعنى بدراسة الظواهر السلبية في الشخصية العربية المعاصرة، مستعرضا الفرص الضائعة في الوصول إلى الوحدة العربية، مسلطا التحليل النقدي على النظرية القومية و الأحزاب و الحركات الأصولية، كما على الفكر العربي المتخاذل في أوساط الجامعات و الصحافة.

    من جملة هذه المقالات، أعجبتني هذه المقالة و التي دار الكثير من أحداثها في ضروف مشابهة للضروف التي يمر بها وطننا العربي المفجوع و المبتلى بحكامه و حكوماته، أحببت أن انقله لأصدقائي رواد مجالسنا على جزئين.

    مرة ثانية و للأمانة : المقال لست أنا كاتبه و لكنه  للأستاذ محي الدين صبحي من كتابه الأمة المشلولة

    عنوان المقال : النخب العربية و مفاتيح القلعة

    فرضيتي هي أن الأمم إذا جابهت لمدة طويلة مشاكل مصيرية عجزت عن حلها، أو قوى أكبر منها، فإنها تمر في مرحلة من البلبلة تميل معها نخبها الفاعلة – أو أغلبها _ إلى تجنب الصراع و تركن إلى قيادة أجنبية تتولى حل مشاكل المجتمع الداخلية و إدارة صراعاتها مع الخارج، نيابة عن النخب المحلية التي تستمر في إدارة المجتمع و لكن باتجاه تكييفه مع الإدارة الوافدة و تطبيعه بحيث يخضع لها. أما إرادة لاستقلال و النزعات المخالفة فتعتبر خارجة عن الشرعية القائمة مما يضطرها إلى التقية و السرية و المقاومة

    فقد انكشفت بلاد العرب أمام الغزو التركي منذ بداية القرن الثالث الهجري فتولوا سلطة الدولة العباسية فيما تحول العرب إلى ثائرين خارجين على القانون أ أمراء في مدن منعزلة. فلما حصل الغزو الصليبي 1098 – 1291 تقبل العرب أية سلطة قادرة على مواجهة الغزو، مما مكن للمماليك الأتراك و الشراكسة لمدة تقرب من ثلاثمائة سنة، واجهوا خلالها الهجوم المغولي و تهديم هولاكو لبغداد عام 1258 ميلادي ثم اجتياح تيمور لنك لبلاد الشام العام 1400 ميلادي غير أن قبيلة تركية احتلت لنفسها موقعا في الأناضول و انفصلت عن إمبراطورية هولاكو برئاسة مقاتل يدعى عثمان. وضل أولاده يتوسعون في الأناضول حتى استطاع محمد الفاتح احتلال القسطنطينية العام 1453 ميلادي وما ورائها من بلاد البلقان. و في أعوام 1514 – 1516 – 1917 ميلادي تمكن حفيده السلطان سليم الأول من احتلال العراق و الشام و مصر.

    على أن خلاصة هذه الحوادث و رد فعل الشعب العربي عليها هو أهم ما في الأمر. ففي مصر و الشام و العراق لم يحارب السكان العرب العثمانيين، و انما اقتصر القتال بين الجيش العثماني و الجيشين الصفوي و المملوكي.

    الملاحظة الثانية و الأهم هي أن السلطان سليم الأول حين كان في القاهرة استقبل مبعوثين عربا من قبل شريف مكة قدموا له مفاتيح المدينة المقدسة و لقب حامي الحرمين الشريفين، و قد كان هذا المشهد تكرارا لما حدث مع صلاح الدين الأيوبي بعد أمن حرر القدس في العام 1187.

    و حين تولى ابنه سليمان الأول القانوني (1520 – 1566) طور الأسطول العثماني حتى صار أفضل أسطول في البحر المتوسط فقدمت له الطاعة طرابلس و تونس و وهران، و هي المدن التي طاولها العدوان و أحيانا الاحتلال من قبل الأسطول البرتغالي ثم الأسباني بعد سقوط غر ناطة العام 1492. فكان الأسطول العثماني جاهزا لتحريرها و كانت هي راضية مقابل ذلك بأن تنضم إلى الإمبراطورية.

    كان عجز تلك الأنظمة عن الدفاع ضد الغزو الأجنبي و تجزؤها و فسادها الداخليان من أسباب انصراف شعوبها عنها و تعلقها بالعثمانيين.

    بعد أربعمائة سنة من هذا الالتحاق الطوعي اكتشف القوميون العرب أن السلطنة ليست عاجزة عن حمايتهم فقط، و إنما كانت تجعل العرب بيدها تساوم عليها الغرب و تتنازل عنها بلدا اثر بلد للاستعمار الغربي، مقابل موافقة الغرب على استمرار السلطنة في البقاء. فقد تنازلت السلطنة عن تونس و الجزائر عن فرنسا دون أن تتعكر العلاقات بين السلطنة و فرنسا. كذلك حدث بين السلطنة و بريطانيا بخصوص مصر، و قبل ذلك احتلت بريطانيا الخليج العربي و رتبت أوضاعه دون اعتراض من العثمانيين، و كانت ليبيا آخر ضحايا الوفاق العثماني – الأوربي العام 1910 ميلادي. لقد ضلت السلطنة أكثر من قرن تساوم و تسمسر مع فرنسا و بريطانيا على المصير العربي، فما العجب في أن يتولى العرب مفاوضة فرنسا و بريطانيا على المصير التركي؟ ألا يكونون بذلك قد حرروا أنفسهم من النير العثماني و صارفي وسعهم أن يضمنوا مصيرهم من الدول العظمى الطامعة بهم عن طريق العثمانيين؟

    لقد ضل العرب العثمانيون يتهمون القوميين العرب بالتآمر مع الغرب ضد السلطنة المسلمة إلى اليوم، في حين أن وقائع التاريخ تبين أن الواقع هو عكس ذلك تماما. فالعثمانيون هم الذين تلاعبوا بالمصير العربي و تآمروا عليه و قدموه قطعة قطعة  و بلدا أثر بلد للاستعمار الأوربي مقابل قبول الغرب باستمرار السلطنة في حكم العرب أو ما تبقى منهم. و لم نسمع أي اتهام أو لوم لتلك السلطنة المتآمرة، أفلا يشكل سلوك السلطنة المتخاذل طوال القرن التاسع عشر تبريرا للعرب كي ينفكوا عنها؟

    على أن سلوك الأتراك بعد السلطنة ابلغ تعبيرا من مواقفهم ضد العرب خلال السلطنة. فلولا أن القومية و العلمانية و الاستقلال أفكار ناضجة عند الطلائع التركية لما تمكن أتاتورك من إنشاء جمهورية تركية قومية علمانية، فين حين أن هذه الأفكار ما زالت إلى اليوم بعيدة عن التحقق في الوطن العربي بسبب عدم نضجه و عدم إجماع النخب العربية عليها.

    بل أن سلوك تركيا منذ إعلان الجمهورية إلى اليوم لا يدل على أن لديها مخزونا وديا تجاه العرب و الإسلام. فقد تخلت عن الحروف العربية و انتسبت للحلف الأطلسي و تعاونت مع إسرائيل في الضروف الحرجة، ولن نختم باحتلال الأسكندرون و تحويل مياه الفرات لأن لها مطالب في الموصل و نفط أربيل و شمال سوريا.

    هاتان هما المرتان اللتان ركن فيها العرب إلى قوى أجنبية لحل مشاكلهم الداخلية و إدارة صراعاتهم مع الخارج.

    في المرة الأولى لجأ العرب إلى العثمانيين ليتخلصوا من حكم المماليك و التهديد الأوربي، و المرة الثانية لجئوا إلى فرنسا و إنجلترا ليتخلصوا من العثمانيين و يبحثوا عمن يساعدهم في بناء دولة قوية و في تحديثها.

    فرضيتي الثانية هي أن النخب الحاكمة العربية الآن في وضع مشابه. فقد أخفقوا في كل ما صبوا إليه من وحدة و تقدم. و قد تعبوا من أنفسهم و تعب بعضهم من بعض. و قد زين الإخفاق و الخوف من الشعوب و من الأنظمة المجاورة من الإلحاح الضاغط للوحدة العربية كمخرج و حيد من التخلف و الفقر و الهزيمة – كل ذلك زين للنخب العربية الحاكمة أن تتجه إلى التعاون مع إسرائيل لتجد فيها حليفا يحميها من شعوبها و من بعضها البعض.

    لو القينا نظرة على المشهد العربي في وضعه الدولي لوجدنا أن الأمة العربية الآن هي أكثر أمة مستعمرة في العالم المعاصر. فهي مستعمرة  سياسيا و عسكريا و اقتصاديا و ثقافيا. ليس في العالم نوع من الاستعمار لم يمارس على الأمة العربية، من الاستعمار الاستيطاني، وهو أقدم أنواع الاستعمار، إلى سياسة الإلغاء و هي أحدث أنواع الاستعمار، فقد قررت الولايات المتحدة إلغاء العراق من المشرق العربي، ثم ليبيا من المغرب العربي ، فحاصرتهما برا و بحرا و جوا، تاركة ما يقرب من ثلاثين مليون عربي للموت جوعا و مرضا و بطالة. و قد تم ذلك بقرارات من مجلس الأمن اتخذت بموجب النظام العالمي الجديد، و هو نظام تشرف فيه الولايات المتحدة على رعاية مصالح الدول القوية في أراضي الشعوب المتخلفة في آسيا و أفريقيا، على أساس التقاسم السلمي التنافسي لموارد العالم الثالث.

    على أن المشهد الداخلي اشد سوءا من التبعية العربية للعالم الخارجي. فمذابح الحروب الأهلية تنتشر من الصومال و السودان إلى الجزائر و مصر و فلسطين و البحرين، كلها دول تسير على طريق لبنان الذي نزف عشرين عاما ليتوقف من حيث ابتدأ في الخلاف حول حقوق الطوائف. لو كانت هذه الحروب طبقية لأعادة تشكيل المجتمع بحسب مبدأ اقتصادي إنتاجي يساعد على تقدم المجتمع وفق مبادئ عقلانية.

    أما الصورة السريالية الفريدة في العالم فتقدمها العلاقات بين الدول العربية التي صنعت عصر الانحطاط الحالي. أساس هذا الانحطاط هو أن كل نظام عربي يعتبر نفسه مستقلا تمام الاستقلال إزاء المنظومة العربية و حرا كل الحرية بالتصرف بازاء مشاكل المنطقة فيما يوافق مصلحته و يعزز موقفه الخارجي و الداخلي، أيضا يعتبر كل نظام نفسه لاعبا رئيسيا في المنطقة بصرف النظر عن حجمه و إمكاناته و ارتباطاته المحلية و الدولية. و هذا ما ألغى كل الفروق بين القوة و اضعف و التقدم و التخلف و الاستقلال و التبعية و الوعي و الظلامية : فما دام لكل نظام صوت فالجميع متساوون و كل التوجهات متساوية و تكون النتيجة عطالة في الحركة الجمعية للأمة العربية هدمت تراكم الناتج الاجتماعي و الثقافي و الإنتاجي لمراكز الحضارة العربية الأساسية : القاهرة و دمشق و الرباط و بغداد. فكل واحدة من هذه المراكز تعرضت لتواطؤ عربي أدى إلى تهديمها و إلغاء توجهاتها، مما جعل ناتج العمل العربي صفرا خلال نصف القرن المنصرم على الأقل. فهذا ما أحبط كل عمل عربي مشترك بدءا من ميثاق الدفاع العربي المشترك، و السوق العربية المشتركة … حتى انتهينا إلى اختلاف الأنظمة حول المخزون النووي الإسرائيلي و هل يعيق انخراط الأنظمة في العملية السلمية أن لا. و الغريب أن اكثر من ثلاثة أنظمة عربية رفضت توقيع بيان عربي مشترك يعلق السلام الكامل مع إسرائيل و التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية على تخلي إسرائيل عن مشاريعها و مخزونها النوويين. أي أن النظام العربي القائم يضع الشعب العربي  بأكمله تحت تهديد السلاح النووي الإسرائيلي، و لا يرى في ذلك حرجا و لا تفريطا، لأن حكام هذه الأنظمة يعرفون أنهم و أولادهم و محظياتهم سيكونون في أمريكا حين تستخدم إسرائيل أسلحتها الذرية ضد الشعوب العربية.

    إلى هذا الحد القاتل وصل استهتار الحكام و الأمراء بالوجود العربي. فقد تعبت النخب الحاكمة من مسؤولياتها و شعوبها و بطرت و تنمرت لانعدام أ] نوع من المحاسبة أو المراقبة. كذلك فإنهم يرون في الانهيار القومي الذي هدفوا إليه و ساهموا فيه، فرصة للالتحاق بالمشروع الإسرائيلي (الحماية الأمريكية)  يساعدهم على تأبيد أنظمتهم، و يعين بعضهم على بعض فيشكل مركز الثقل العسكري و السياسي و الاقتصادي للبلاد العربية بموافقة طوعيه من الأنظمة التي تتسابق و تتنافس لا من أجل تحقيق سلم مع إسرائيل، و إنما لجر إسرائيل إلى جانبها.

    غير أن إسرائيل سوف تجرهم قبل أن يجروها. فهي قادرة ببنيتها العلمية البسيطة و لكن الحديثة جدا أن تصبح مركز الاتصالات الإليكترونية في المنطقة، كذلك تستطيع بفضل أقمارها الصناعية أن تستقطب البث التلفزيوني و تعيد توزيعه في المنطقة، و قد تتمكن إسرائيل من إقناع أصحاب الملايين العرب بإعادة أموالهم من بلاد الغرب لأن المنطقة العربية ما زالت بكرا تستوعب الكثير من المشروعات الإنمائية و الصناعية الخفيفة و السياحية – لكن الأموال العربية ستعود هذه المرة عن طريق إسرائيل لأن قوانينها تكفل لهم الاستثمار و سحب العائدات مع رأس المال.

    يتبع …… الجزء الثاني

    #308594

    الجزء الثاني

    و المشكلة ليست في أن العرب لا يعرفون، فالخبراء العرب أكثر عددا و أغزر علما، المشكلة هي أن النخب العربية الحاكمة لا تملك الوعي و لا الإرادة للقيام بعمل عربي مشترك، فهي قد فقدت الرغبة في التطور كما أنها لا تؤمن بقومية و لا دين و لا حضارة، ولم تؤمن في أي يوم بغير ذاتها و مكاسبها. هذه الإتكالية تشمل نواحي الحياة العربية بأكملها، سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، و تتداخل حتى في الساسة الداخلية التي تحدد علاقة الحاكم بالمحكوم. و الحكام العرب لا يحتجون على هذا التدخل إلا إذا كان تنديدا بسياساتهم التعسفية ضد المعارضة، لكنهم دائما يطالبون الأجنبي بنوع من أنواع الدعم، فالحكومة الجزائرية تريد من فرنسا طائرات هليكوبتر و معلومات لملاحقة المعارضة، و لكنها احتجت على الحكومة الإيطالية حين استضافت زعماء المعارضة و اتهمتها بالتدخل في شؤونها!

    هذا الاتكال على الغريب أمر قديم مصدره عدم ثقة العرب بعضها ببعض و فقدان المشروع السياسي الذي يجمعهم على سلطة تستمد مشروعيتها من الإجماع الشعبي على إنجاز مشروع تاريخي ما. فمنذ العام 830 م تقريبا سرح الخليفة المعتصم الجيش العربي و شكل جيشا تركيا ما لبث بعد عشرين عاما أن قتل الخليفة المتوكل و عين غيره، و استمر التلاعب بالخلفاء حتى أضحت الخلافة رمزا دينيا، كما استمر الأتراك و غيرهم من الحكام في احتكار السلطة و إبعاد العرب عنها، بحيث جاء القرن العشرون و قد فقد العرب تقاليد ممارسة السلطة، كما فقدوا تقاليد الحرب و الدفاع المشترك و قيادة الجيوش. فخلال مائتي عام من الحروب الصليبية (1098 – 1291 ميلادية) كان الحكام و جيوشهم مماليك شراكسة أو أتراكا أو تركمانيين، أما صلاح الدين فكان لديه كتيبة كردية، في حين أن الشعب العربي كان لا يحارب إلا عند حصار المدن، كما حدث في دمشق إبان الحملة الصليبية الثانية العام 543 هجرية/1148 ميلادية، و في مصر في الإسكندرية و أسيوط.

    و مما يلفت النظر أن حكام دول المغرب العربي الذين بايعوا السلطان سليم الأول أو حكام الجزيرة العربية أو حكام العراق و بلاد الشام .. كل هؤلاء لم يوحدوا جهودهم ضد العدوان البرتغالي و لا أقاموا دولة متسعة بل فضلوا أن يبايعوا السلطان التركي، كما فضلوا بعد أربعمائة سنة أن يتحالفوا مع الإنكليز على أن يتحالفوا فيما بينهم – أذكركم فقط بحروب الجزيرة العربية بين 1916 – 1920 م حين طرد ابن سعود شريف مكة و قضى على أحلامه في الثورة العربية، مع حروب آل رشيد و سيوف اليمن. كما أن المغرب العربي لم يتوحد منذ أيام المرابطين و الموحدين.

    أدى هذا الإتكال المستمر على الغريب إلى فقدان العرب للحس الإستراتيجي و الحس التاريخي بالاتجاه، فالحس الاستراتيجي يوحد الأمة تجاه قيم و مصالح أساسية تمس وجودها ككل، مثل النفط أو الأرض. الغريب في الأمر أن الولايات المتحدة هي التي تعلن أن النفط العربي سلعة تتعلق بأمنها القومي و أنها ستحارب للمحافظة على هيمنتها عليه تنقيبا و إنتاجا و تسويقا و تسعيرا و عوائد و فوائض. و قد حاربت على مدى العشرين عاما الماضية في أفغانستان و في حرب الخليج الأولى و الثانية.

    و الحس التاريخي يزود الأمم بالشعور بوحدتها و تضامنها و إبداعها و دورها في الحضارة البشرية.

    أما الحس بالاتجاه فينتج عن إجماع الأمة على مشروع حضاري سياسي تتكاتف نخبها على تحقيقه على مراحل. و فقدان الحس بالاتجاه لا يؤدي فقط إلى الضياع بل يصيب الأمة بالشلل و عدم القدرة على الرؤية و الحركة.

    فرضيتي الثالثة هي أن هذا هو الوضع الأمثل لكي تتحول فيه إسرائيل إلى إمبراطورية تتحكم بالمصير العربي لمئات السنين المقبلة إذا ظلت بنية المجتمع العربي الاقتصادية و السياسية تسير في اتجاهها الحالي. فمنذ عشرين عاما إلى اليوم تتسارع حركة استقطاب فظيعة في أوساط المال و السلطة في الوطن العربي حتى كاد القرار الاقتصادي و القرار السياسي ينحصر إن في أيدي عدد من الرجال لا يتجاوز العشرين أو الثلاثين على أبعد تقدير. فقد تم بالسرعة القصوى، تدمير الطبقة الوسطى، و إسقاط قيمة العمل الشريف لصالح الثراء السريع و الانتهازي، فسقطت بذلك سلسلة القيم المرافقة للعمل من شرف و قناعة و منافسة للارتقاء بالذات و بالمجتمع. أخيرا، و مع سقوط البرجوازية سقطت الثقافة بمؤسساتها و آفاقها المتوسعة و روحها المتسامحة أو التي تدعو إلى التسامح مع الذات، مع الماضي، مع الآخر – مما يسهل دخولنا في العالم و المشاركة فيه. البورجوازية تفرض نوعا من الديمقراطية على أساس حق دافع الضرائب في أن يكون له ممثلون في السلطة. إننا نعيش في ركود ثقافي قد يطول بطول عصور الانحطاط. إننا نتحدث عن هزيمة المشروع القومي فنعدد الأسباب السياسية و الاقتصادية و العسكرية و الاجتماعية، لكننا نغفل عامل التردي الثقافي و ما يعقبه من ضيق الأفق و تكسير أجنحة الخيال : فنحن لسنا عاجزون حتى عن خلق قصيدة حب أو ابتكار هندسة لمبنى أو وضع تصور لمجتمع يحقق العدالة الاجتماعية مع التقدم و الحرية، و قد دفنا أحلامنا بدولة عربية موحدة مصنعة ديموقراطية و حرة. و فيما تندفن الأحلام تطفو الوقائع :

    اليوم إسرائيل قوة نووية و تطور قدراتها الفضائية و تخصص بضعة مليارات من الدولارات سنويا لنفقاتها العسكرية و شراء أسلحة. و العرب يفعلون أيضا لكن على مستوى مختلف. فهم أنفقوا الجزء الأكبر من 168 مليار دفعتها دول المنطقة بين 1970 – 1989 م لشراء أسلحة و سيدفعون الجزء الأكبر من 60 مليار دولار ستنفقها دول المنطقة مدى خمس سنوات ثمنا لأسلحة.

    و تكفي الإشارة إلى أن السعودية احتلت المرتبة الأولى بين الدول المستوردة للسلاح بين 1991 و 1993 م إذ دفعت 18.6 مليار دولار، و أن الكويت وقعت عقدا مع فرنسا قيمته 554 مليون دولار ثمنا لثمانية  زوارق. الفارق بين العرب و إسرائيل أن هذه تخصص جزءا كبيرا من أنفاقها العسكري للصناعات و الأبحاث، فيما يدفع العرب ثرواتهم و فوقها قروضا لتكديس السلاح المستورد في مخازن ترضي حامي أمنهم.

    و اليوم إسرائيل قوة اقتصادية إقليمية. اقتصادها يعادل نصف اقتصاد السعودية، و هي ليست دولة نفطية، و يكبر اقتصاد مصر بنحو 30 في المائة و هو تاليا أكبر من اقتصاد مصر و الأردن و سوريا و لبنان مجتمعة. و معدلات الدخل الفردي بحسب أحدث أرقام للبنك الدولي تحكي بنفسها : يبلغ المعدل في إسرائيل 13220 دولارا، في حين يبلغ في مصر 640 دولارا و في الأردن 1120 دولارا و في سوريا 1325 دولارا. أما المعدل في لبنان فغير متوافر مثل إحصاء السكان و غيره، و لكن مهما بلغ فلن يقلب الميزان.

    على أن الهوة ليست عسكرية أو اقتصادية فحسب، بل هي في مجالات أخرى منها الأمية ووفيات الأطفال و متوسط الأعمار، فنسبة الأمية في إسرائيل تبلغ 12% في حين أن أقرب دولة عربية إليها هي لبنان بنسبة 20% ثم ترتفع هذه النسبة تدريجيا لتصير 36% في سوريا و ليبيا مثلا و 38% في السعودية و 40% في العراق و 52% في مصر و 62% في اليمن.

    أما وفيات الأطفال فمعدلها في إسرائيل تسعة في الألف. و أقرب دولة إليها هي الكويت بمعدل 14 في الألف، ثم يرتفع المعدل تدريجيا ليصير 28 في الأردن و 36 في سوريا و 45 في لبنان و 57 في مصر و 106 في اليمن.

    و حتى في الأعمار، يعيش الإسرائيليون أكثر من كل العرب إذ يبلغ متوسط أعمارهم 76 عاما، فين حين يبلغ 75 عاما في الكويت ثم ينقص تدريجيا ليصير في سوريا مثلا 67  و في لبنان 63 و في اليمن 53 عاما.

    وكل هذه الفوارق لا تعني أن سد الهوة مستحيل و لن  يكون صعبا و يحتاج إلى سنوات من الجهد و التعب. فلا الخبرات تنقص العرب  و لا القدرة على العلم و لا المال.  وإذا كانت إسرائيل تفوقت فبإرادة سياسية لتوجيه الموارد إلى بناء مراكز أبحاث و معلومات عوض هدرها على اللهو و تعميق التبعية، و بإرادة لحماية الطاقات و الأدمغة و منع قتلها أو تهجيرها. و لدى العرب أكثر مما لدى إسرائيل إنما ينقصهم القرار ألا يبقى عالمهم على هامش الزمن. و الفرصة متاحة اليوم لإعادة النظر.

    صحيح أن ردم الهوة ليس بالأمر المستحيل، لأن العرب لا تنقصهم الخبرة و القدرة العلميتان، و لا المال أو الخيال، و إنما تنقصهم الإرادة الجماعية و الإيمان بأنهم أمة و كذلك التصميم على التقدم دون مساومة أو تراجع. فبقدر ما تلوح إسرائيل مشروعا إمبراطوريا في الشرق الأوسط بفعل تنابذ النخب العربية، تلوح عزلاء معزولة إزاء أي نوع من التضامن العربي. و التضامن الذي أعنيه و أقترحه هو إنشاء مجموعات طوعية من الدول العربية على غرار مجلس التعاون الخليجي، فهو أنجح تجربة صمدت للزمن. حين يتصرف العرب كمجموعات سياسية و اقتصادية سوف ترتاح الشعوب من الصراعات العربية المزمنة، و يتاح لها مزيد من الفرص لمقاومة التطبيع و تفويت النصر السياسي الذي تحققه إسرائيل على الساحة العربية.

    فهدف إسرائيل ترجمة قوتها العسكرية إلى مكاسب سياسية و اقتصادية. و مجالس التعاون العربية المقترحة مع المقاومة الشعبية للتطبيع قادرة على تحجيم إسرائيل و عدم إعطائها دورا مركزيا في المنطقة العربية، خاصة إذا وجد حد أدنى من التنسيق بين المجموعات العربية لخلق موقف قومي يمنع إسرائيل من أن تكون قاعدة استقطاب لهذه الكيانات المفتتة المتنابذة. إن السلاح قد يكسب حربا لكنه لا يكون منتصرا ما دام للمهزوم إرادة. فالمصير العربي ليس رهنا بمعاهدات.

    الفرضية الرابعة إذن هي أن هذا الخيار العربي الذي يلغي المشروعات الإسرائيلية و الشرق أوسطية لم يغب عن خارطة إمكانيات السياسة العربية على الإطلاق. بل أن الخيار العربي يبدوا مطلبا مصيريا للهوية العربية المهددة، كما تكشفت مخططات الإستتباع المالي و الاقتصادي و الثقافي و العسكري. و الغاية النهائية من هذه السياسة العربية الطويلة الأمد التوصل بالملاينة والضغط إلى ميثاق عربي تتعهد فيه كل دولة عربية بأن تقدم لكل الدول العربية التنازلات التي تقدمها لإسرائيل، إذ لا يعقل أن تكون الأردن أو الضفة الغربية مفتوحة للاقتصاد الإسرائيلي و مغلقة على الاقتصاد العربي، لأن هذا يؤدي إلى جعل إسرائيل الفريق الأقوى في حالة إي تعاقد منفرد. أما إذا تبلور العالم العربي على شكل مجموعات فسوف تغدو إسرائيل عاجزة عن الاختراق، و تسقط سياستها في أن تصبح مركز الجذب في المنطقة.

    في الختام: أكرر أن الأمة العربية على مفترق تاريخي حاد و بالغ الخطورة. لكن الغريب العجيب في الأمر أن هذه الأمة، بالرغم من جميع الهزائم و الإحباطات لا تزال تملك خيارات تقرر بها مصيرها، مع أن الوقت ينفذ و الخيارات أيضا تستنفذ. فالتبعثر العربي وحده يسمح لإسرائيل بأن تنقلب من غزو استيطاني إلى إمبراطورية تستقطب هذه الكيانات المتنابذة، و تصبح مركز الثقل و اللاعب الرئيسي لعشرات من السنين القادمة في هذه المنطقة العربية المنهوبة و المجزأة من داخلها، تماما كما حدث للعرب مع العثمانيين و مع فرنسا و إنكلترا، و أخيرا جدا مع أمريكا.

    يهتم علماء المستقبليات العرب بكم ينقصنا من الحبوب خلال العقود الثلاث القادمة من القرن الواحد و العشرين، و كم سننتج من اللحوم أو النسيج. و هي حسابات ضرورية للمسؤولين عن تدبير أمور المجتمع.

    المطلوب – إلى جانب ذلك – تأسيس علم يبحث في المصير العربي وسط هذه الغابة الدولية، و ليكن اسمه علم الصيرورة القومية في عصر ثورة التخلف و انفكاك الأقليات المذهبية و العرقية عن جسد المجتمع العربي بحثا عن مصير مختلف.

    #308613
    خالد
    مشارك

    السلام عليكم ..
    الحبيب العماني اود ان اشكرك جزيل الشكر على تلخيصك لهذا الكتاب القيم ..
    وانت من الاقلام التي نتشرف جميعا باستضافتها هنا في المجلس ..
    الحقيقة هزني تماما ما ذكر في الكتاب فهو استطاع ان يعبر بطريقة قاسية على الوضع الغريب لامتنا العربية ..
    ولا استطيع التعليق اكثر فالكتاب و تلخيصك المتميز له يكفي تماما .
    عزيزي نشكر لك تواضعك في طرح مواضيعك هنا و في انتظار المزيد ..
    تحياتي

    قلبي على بلدي انفطر     وقلب بلدي علي حجر

    #308619
    خالد
    مشارك

    لي طلب اذا سمحت لي ..
    هناك مقاله قمتم بكتابتها عن الاستراتيجية الامريكية و خطوات تحطيم الامة العربية و هي من المقالات التي لخصت احداث تاريخية كثيرة مرت بالشعوب العربية اعتقد انها تصلح تماما لسرد فضيحة واضحة ضد الامة العربية .. اتمنى منكم كتابتها حتى تتضح للاخوة القراء البعد الاخر لهذا التلخيص من هذا الكتاب .
    تحياتي

    قلبي على بلدي انفطر     وقلب بلدي علي حجر

    #308647
    الصمت
    مشارك

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    اول شئ أحب اشكرك على المجهود اللي بذلته في ها الموضوع…و واضح انه الكتاب يحوي الكثير…وياريت لو كنت اعرفه من مده…كنت استعنت به في مساق العلوم السياسيه….صراحة أنا أحب السياسيه…ب ها المساق درسنا عدة مواضيع عن السياسة قديما…ايام الحضارات السابقه..بما فيها الحاضارات اللي كانت بالوطن العربي…كحضارة بلاد الرافدين…وطبعا درسنا عن السياسه الحديثه….وعلى حظي…ال final exam/project كان عن العـــــــراق….يعني ما تتصور كيف كان الدكتور يتكلم عن ها البحث حتى قبل ما اقدمه…لانه يحب ها الامور..اقصد أنه وقت حرب الخليج هو كان هناك في العراق…- دكتور امريكي- يعني أنا قلت ماراح أقدر أخليه يأخذ بالافكار او النقاط اللي راح أتكلم عنه…ما اعرف كيف أشرح لك بس المهم كان لا يحب الحكومه وبعض السياسات الداخليه والخارجيه….وكل ما اقول شئ…يتكلم عن نقطه مهمه في باله..لما العراق فكرت فب غزو الامارت…بسبب بعض المشاكل في موضوع البترول والاسعار..اللي أثرت على الاقتصاد العراقي……*thinks* أسفه أعتقد أني طلعت عن الموضوع………..أرجع و أقول الكتاب يحوي الكثير الكثير…..أتمنى أقرأه قريب أنشاء الله…..و أنا مع الاخ خالد في النقطه اللي ذكرها….ولك جزيل الشكر

    دمـــــــــــوع القمـــــــــــر

    ~~يا صاحبي لا تنشد الروح عن شئ ^ أنا حبيبي نور كل المدينة ~~

مشاهدة 5 مشاركات - 1 إلى 5 (من مجموع 5)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد