الرئيسية › منتديات › مجلس سوق مجالسنا التجاري › الحكومات العربية والشجرة العوجاء
- This topic has 0 ردود, مشارك واحد, and was last updated قبل 8 سنوات، 9 أشهر by عضو – 838e8.
-
الكاتبالمشاركات
-
28 يناير، 2016 الساعة 2:05 ص #149459عضو – 838e8مشارك
الحكومات العربية والشجرة العوجاء
كنت في الأسبوع الماضي في بيتي الريفي على إحدى قمم جبال عجلون الجميلة والباردة في فصل الشتاء. انقطعت الكهرباء لبضع ساعات فقاربت درجة حرارة المنزل الصفر مئوية. فكرت في حلول للحصول على تدفئة مؤقتة لمواجهة الأزمة، فتناولت ملعقتين من العسل الطبيعي، ثم ثلاث حبات من التمر، أتبعتها بفنجان قهوة مغلية على جهاز البوتغاز، وهذه ليست طريقتي المفضلة في إعداد القهوة، ومع ذلك لم أنعم بالدفء.
ثم لمعت في رأسي فكرة: ارتديت طقم الرياضة، وخرجت إلى الفضاء البارد أمشي بسرعة. هبطت وصعدت الطريق المرتفع عدة مرات، حتى بدأت ألهث والعرق يتصبب من جبيني. وعندما دخلت البيت، كان علي أن أصعد الدرج إلى الطابق الأول. ولكني واصلت الصعود حتى آخر الدرجات، وكررت النزول والارتقاء حتى تقطعت أنفاسي أو كادت. وهكذا.. وبكل بساطة حصلت على تدفئة طبيعية مصدرها الدم والعضلات والأنفاس المتلاحقة. لا أعرف عدد السعرات الحرارية التي أحرقتها، ولكنها لم تزد كثيراً عن طاقة ملعقتي العسل وحبات التمر اللذيذات.
ذكرتني هذه التجربة بتمرين شبه يومي أؤديه في مضمار المشي في واحة السليكون في دبي كلما خرجت للمشي والرياضة. هناك شجرة عوجاء يرتفع ساقها وفرعها الأعوج عن الأرض 120 سنتيمتراً. الفرع الأعوج يكاد يشكل مع الساق زاوية قائمة، وكلما مررت إلى جانبها، أتسلق برشاقة سنجاب بري جريء، وأربط ساقيَّ القويتين بالفرع الأعوج وأتدلى إلى الأسفل، واضعاً ذراعي الضعيفتين على الأرض. هذا التمرين اليومي ساعدني خلال أقل من شهرين على التخلص من آلام الظهر التي أربكت حياتي بسبب إطالة الجلوس إلى المكاتب على مدى ربع القرن الماضي.
أفكار تدفئة الجسم في الشتاء، والتخلص من أعراض الدسك في الصيف والشتاء ليست اختراع صواريخ، ولكنها مجرد حلول بسيطة لأمراض طارئة وأخرى مزمنة مثل أمراض مجتمعاتنا التي ابتلتنا فيها حكوماتنا منذ الاستقلال النظري أو الافتراضي الذي كنا نظن أننا حققناه منتصف القرن الماضي.
وفي ذات ذاك الأسبوع البارد الذي قاومت فيه برد الشتاء بالمشي وصعود الدرج، انعقدت قمة "أبيك" الاقتصادية التي تجمع دول المحيط الهادئ بدول شرق آسيا. على هامش المؤتمر أجرى الرئيس الأمريكي الحالي وليس السابق أو الأسبق، نعم "أوباما"، أجرى لقاء على الهواء مباشرة مع "جاك ما" الصيني وصاحب "علي بابا" والأربعين مبدع، و"عائشة مايجينو" المهندسة الفلبينية التي تمكنت من توليد الكهرباء من الماء المالح، فأنتجت 8 ساعات إضاءة من كأس ماء وملعقتي ملح. الرئيس السياسي يقابل رجل اقتصاد شاباً، وعالمة فلبينية أكثر شباباً، ليتحدثا عن التعاون بين الحكومات والقطاعات الخاصة ومؤسسات الأعمال ومنظمات المجتمع المدني وأدوارها المتعددة في المستقبل وحماية البيئة، وتشجيع شباب ورجال الأعمال، ومحاربة الفقر والبطالة وتوليد الطاقة النظيفة. وللعلم والإحاطة، فقد كان الرئيس هو الإعلامي الذي يدير المقابلة، والاقتصادي "ما" والمهندسة "عائشة" هما ضيفاه وشريكاه.
أتحدث هنا عن الحلول البسيطة، وأتذكر ما تفعله الحكومات العربية بشبابها ورجال أعمالها ومبدعيها. في الأردن مثلاً هناك شركات سياحية عملاقة، وشركات تطوير حضري، وشركات توزيع وتجارة تجزئة أردنية الأصل والنشأة، تكاد تفلس، بل وسوف تفلس فعلاً، بسبب فقرة غبية صاغها خبير قانوني لا يفقه اللغة العربية في قانون ضريبة المبيعات. ربما تكون الصياغة مقصودة، وربما تكون غلطة ذلك الخبير غير الجدير، لكن النتيجة هي أن رئيس الوزراء لا يجد 20 دقيقة، أو هو لا يريد أو لا يستطيع مقابلة أبناء بلده الذين يوظفون الآلاف، ليسمع منهم أو يفهم ما يحدث وراء نوافذه وعقول قيادات حكومته المغلقة، ومنظومة التشريعات الملفقة.
هذا درس في البساطة لكل الحكومات العربية التي يجب أن تعي اليوم، وليس غداً أن برميل البترول سيباع قريباً بعشرة دولارات لأن تشريعاتها معقدة مثل ابتكاراتها، ولأن "عائشة"، المهندسة الفلبينية التي لو حصلت على عقد عمل في الأردن أو إحدى دول النفط العربي، ولن يزيد راتبها عن ألفي دولار، استطاعت أن تولد الكهرباء من ماء البحر المالح.
الخلاصة: الشجرة العوجاء أفضل من بيروقراطيات كل الحكومات العربية.
بقلم: نسيم الصمادي
المصدر http://www.edara.com -
الكاتبالمشاركات
- يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.