الرئيسية منتديات مجلس القصص والروايات اللغة العربية في مواجهة الغزو الحضاري

مشاهدة 7 مشاركات - 1 إلى 7 (من مجموع 7)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #14270
    طـــلال
    مشارك

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    هذه مقالة رائعة بقلم الأستاذ عبد الرحمن العلوي …..ونظرا لفائدتها رأيت ان انقلها لكم هنا وأتمنى ان تنال على إعجابكم

    __________________________________________________________________________

    اللغة في الحقيقة هي الارادة التي تعبر عن حركة الفكر والنفس والعاطفة والروح لاي امة من الامم، وهي المقياس الذي تقاس به ثرواتها الفكرية والحضارية. ولهذا يلجأ علماء الاجتماع احياناً إلى اللغة ليستنبطوا منها خصائص الامم وما لديها من خلفية حضارية وتاريخ عريق. وقد ارجع علماء اللغة كافة اللغات إلى اصل واحد رغم ما نجده من اختلاف هائل فيما بينها.

    واظهر علماء الاجتماع ان الإنسان الاول قد نشأ بين العراق وارمينيا، وقد تفرقت الاجيال البشرية فيما بعد وانفصلت عن بعضها، فدخلت إلى لغتها الاولى الفاظ جديدة حسب الحاجة. وحدث فيها نمو اختلف في اسلوبه وشكله تبعاً للظروف والاوضاع، حتى اخذت لغة كل قوم تبتعد شيئاً فشيئاً عن اللغة الام إلى ان اشتد الخلاف بينها وتفاوتت تفاوتاً ذريعاً حتى بدا وكأنها لغات مستقلة. وكان كلما قرب زمن انفصال الطوائف بعضها عن بعض زادت لغاتها تفاوتاً، وكلما قرب زمن انفصالها كانت اقرب إلى بعضها، لهذا نجد ان الفرنسية والايطالية اقرب إلى اللاتينية منها إلى اليونانية.

    وعلى اساس ذلك الانقسام والتشعب تعددت اللغات حتى قدرها البعض بثلاثة آلاف أو اكثر. غير ان بعض علماء اللغة يرون ان هناك ثلاثة اصول رئيسية تتشعب عنها كافة هذه اللغات وهي(1):

    1ـ اللغة الآرامية: نسبة إلى الآراميين وهم قوم كانوا يعيشون عند مصب نهري دجلة والفرات قبل الولف السنين، وقد تفرعت عنها العربية والسريانية والقبطية والحبشية وغيرها.

    2ـ اللغة الطورانية: نسبة إلى طوران في تركستان ومنها تفرعت التترية والتركية والصينية والجركسية والدانماركية والهنغارية.

    3ـ اللغة الايرانية: المنسبة لهضبة ايران، ومنها تفرعت الفارسية والهندية واليونانية واللاتينية وما تفرع منها من لغات اوروبية.

    ومن حيث التطور قسم علماء اللغة، اللغات إلى مجموعتين كبيرتين:

    1ـ اللغات المتخلفة: وهي اقل ابانة عن المعاني وابسط الفاظاً وتركيباً. وغالبا ما تكون احادية المقاطع وليس فيها فروق بين الاسم والفعل والحرف كالصينية واللغات الافريقية.

    2ـ اللغات الراقية: وتتميز بسعة مداها في التعبير عن المعاني وغناها في الالفاظ، وقدرتها على اسعاف المتكلم بالالفاظ التي يتمكن بها من التعبير عن خلجات صدره ومكنونات نفسه وأفكاره، وعواطفه بدون عناء. وهي تقسم بدورها إلى طائفتين: غير متصرفة ومتصرفية. فالاولى هي اقل تطوراً عن الثانية، وتمتاز بكونها مؤلفة من اصول جامدة، والاشتقاق فيها يقوم على الحاق ادوات لا معنى لها في ذاتها بآخر تلك الاصول كحال اللغة التركية. اما المتصرفة فتقسم إلى طائفتين عظيمتين هما:

    1ـ الآرية أو الهندية الاوروبية: ويكون الاشتقاق منها باضافة ادوات يدل اكثرها على معنى مستقل، وتلحق في الغالب بآخر الالفاظ واحياناً اولها، مثل اللغات الهندية والفارسية والانجليزية والفرنسية والايطالية.

    2ـ السامية: نسبة إلى سام بن نوح «ع» وهي ارقى اللغات وتقع العربية في رأس الهرم منها لاحتوائها على كل الخصوصيات الضرورية لاية لغة متصرفة حية وتمتعها بمزايا اضافية لا نجدها في الغات المتصرفة الاخرى

    ____________________________

    1- دائرة معارف القرن العشرين ـ محمد فريد وجدي، م8، ص 364.

    #395288
    طـــلال
    مشارك

    محاربة اللغة العربية الفصحى

    وجد الغزاة في اللغة العربية سداً عظيماً يحول دون وصولهم إلى اهدافهم العدوانية، فقرروا ان يحطموا ذلك السد شيئاً فشيئاً فوجدوا في «العامية» السلاح الذي يمكن ان يحقق لهم ما يصبون إلى تحقيقه. فظهرت الدعوة إلى العامة اولاً في كتابات عدد من المستشرقين. وكانت بادىء ذي بدء دعوات هادئة ومغلفة بالنصح والارشاد والحرص على العرب ومستقبلهم وتطورهم. ويقف في طليعة من حرّض على الاعراض عن الفصحى والاخذ بالعامية كتابة وتكلماً هو المستشرق الالماني الدكتور «ولهلم سبيتا» وكان مديراً لدار الكتب المصرية في اواخر القرن التاسع عشر. فقد اصدر كتاباً عام 1880م اسمه «قواعد اللغة العربية العامية في مصر» ركّز فيه على اثارة روح العنصرية ضد العربية. وتباكى على المصريين بسبب تشبثهم بالعربية الفصحى: «واخيراً سأجازف بالتصريح عن الامل الذي روادني على الدوام طوال مدة جمع هذا الكتاب وهو امل يتعلق بمصر نفسها، ويمس امراً هو بالنسبة اليها والى شعبها يكاد يكون مسألة حياة أو موت. فكل من عاش فترة طويلة في بلاد تتكلم بالعربية يعرف إلى اي احد كبير تتأثر كل نواحي النشاط فيها بسبب الاختلاف بين لغة الحديث ولغة الكتابة.. وبالتزام الكتابة بالعربية الكلاسيكية القديمة لا يمكن ان ينمو ادب حقيقي ويتطور، لان الطبقة المتعلمة القليلة العدد هي وحدها التي يمكن ان يكون الكتاب في متناول يدها».(1)

    وفي محاولة منه لتهدئة الاعتراضات المحتملة على هذه الافكار لجأ إلى طرح السؤال التالي بمكر: «فلماذا لا يمكن تغيير هذه الحالة المؤسفة إلى ما هو أحسن؟ ببساطة لان هناك خوفاً من تهمة التعدي على حرمة الدين إذا تركنا لغة القرآن تركاً كلياً». ثم يضيف: «ان لغة الصلاة والطقوس الدينية الاخرى ستظل كما هي في كل مكان».(2)

    وهو في هذا الجواب الذي تصور انّه سيخدع به الشعور الاسلامي اراد للعربية ان تظل لغة طقوس وصلاة بعيدة عن مسرح الحياة، وبالتالي كي يحصر القرآن والإسلام في زاوية المسجد لا غير، وهو الهدف الذي يسعى إليه المستعمرون، ومهّد له التبشير والاستشراق ومشاريع التغريب.. أو بعبادة اخرى اراد للغة القرآن ان تكون كاللاتينية واليونانية والسريانية لا تردد إلاّ على السن الكهنة والقساوسة في المناسبات الدينية ولا يفهم الناس منها شيئاً، كما تنبأ «سبيتا» في كتابه بموت العربية الفصحى كما ماتت اللاتينية، غائباً عن باله ان العربية غير اللاتينية، وان العربية لها قرآن يحفظها وتراث حضاري هائل يذبّ عنها ويضخ فيها روح القوة والصمود والشموخ.

    ودعا إلى هذه الفكرة أيضاً المستشرق الالماني الدكتور كارل فولرس الذي تولى ا دارة الكتب المصرية خلفاً لولهلم سبيتا، وطالب بنبذ العربية الفصحى وضرورة الكتابة بالعامية، ووضع كتاباً اسماه «اللهجة العربية الحديثة» طالب فيه ليس باحلال العامية محل الفصحى فحسب بل باستعمال الحروف اللاتينية لدى كتابة العامية أيضاً!

    كما حمل لواء الدعوة إلى العامية أيضاً المستشرق الانجليزي «سلون ولمور» الذي تولى القضاء بالمحاكم الاهلية بالقاهرة ابان الاحتلال البريطاني لمصر، واصدر في 1901 كتاباً يدعى «العربية المحلية في مصر» طالب فيه باتخاذ العامية المصرية لغة ادبية بدلاً من الفصحى ووضع قواعد لها. ونادى ـ شأنه شأن ولمور ـ إلى كتابتها بالاحرف اللاتينية.

    ____________________________

    1- اجنحة المكر، ص 299.

    2- المصدر السابق، ص 300.

    واخطر الدعوات الموجهة ضد الفصحى والمطالبة باقصائها عن ميدان الكتابة والادب دعوة المستشرق الانجليزي وليم ولكوكس الذي كان يشرف في عام 1893 على تحرير مجلة الازهر. فقد نشر في تلك المجلة مقالاً عنوان «لِمَ لم توجد قوّة الاختراع لدى المصريين إلى الآن؟»(1) دعا فيه إلى القصاء الفصحى والكتابة بالعامية، وربط بين الخطاط قوّة الاختراع والابتكار عند العرب وتقيدهم بالفصحى لدى الكتابة والتأليف. واكد انهم متى ما كتبوا بالعامية نمت عندهم قوّة الاختراع والابداع! ولم يوضح العلاقة بين الفصحى والتخلف في مضمار الاختراعات، أو بين العامية والرقي والاختراعي» وهل في العامية ذلك الاكسير الذي يدفع بالعرب نحو الاختراع والاكتشاف ويقدح في ذهنه القابلية على الاختراع؟!

    وفي عام 1925 ترجم ولكوكس الانجيل إلى العامية، ثم نشر بالانجليزية رسالة بعنوان «سوريا ومصر وشمال افريقيا ومالطا تتكلم البونية لا العربية» زعم فيها ان اللغات العامية في الشام ومصر وبلدان المغرب العربي ومالطا هي نفسها الغة الكنعانية أو الفينقية أو البونية التي سبقت الفتح الاسلامي ولما تمت بصلة إلى العربية الفصحى. وتحامل كثيراً على الفصحى واعتبرها لغة جوفاء لا تحمل اي معنى من المعاني لسامعيها. فهو يقول: «من السهل جداً ان نرى في هذه البلاد ذلك التأثير المخدر الذي تحدثه الالفاظ الرنانة التي لا تفهم منها لفظة واحدة في نفس السامع. ان سماع مثل هذه الالفاظ يقتل في الذهن كل ابتكار بين اولئك الذين لا يقرأون كما تقتله أيضاً في نفس الطالب تلك الدروس التي تلقى عليه باللغة الفصحى المصطنعة التي تبلغ الرأس دون القلب، فتمنع من يتسمون بالعلماء في هذه البلاد من التفكير البكر»!.(2)

    وألهبت دعوة المستشرقين إلى العامية حماس المنخدعين والمستغربين العرب فدعوا إلى نبذ الفصحى والركون إلى العامية مقدمين التبريرات غير المنطقية. بل انجرف في تيار تلك الدعوة الشرسة عدد من رجال الادب العربي الذين لم يعرفهم العرب إلاّ من خلال اللغة العربية الفصحى. وكان جزاء هذه اللغة ان يقابلوا احسانها بالدعوة الى الاجهاز عليها ومحو آثارها!

    وكان «لطفي السيد» من اوائل المصريين الذين حملوا لواء الدعوة إلى قبر الفصحى واحلال العامية محلها. كما قدمت في مصر أيضاً عشرات المشاريع في اطار التزام العامية واصلاح الكتابة العربية كان أخطرها مشروع «عبدالعزيز فهمي» الذي اثار موجة اعتراض شديدمن قبل حماة العربية.

    وانتقلت الدعوة إلى العامية من مصر إلى لبنان فتحمس لهذه الفكرة كثير من النصارى اللبنانيين مثل سعيد عقل وانيس فريحة ولويس عوض وغيرهم. وفي حزيران من عام 1973 عقد في «برمانا» بلبنان مؤتمر هيأت له بعض الجهات الاجنبية. وحضره كثير من الاجانب جلهم من الرهبان اليسوعيين، وكان الغرض منه هدم معالم اللغة العربية والاهتمام بالعامية. وقد استنكره الشيخ عبدالحليم شيخ الجامع الازهر.

    وكانت هناك دعوات مصرية طالبت بلغة متوسطة بين العامية والفصحى، ويقف على رأس هذه الدعوات فريد ابو حيدر، وتوفيق الحكيم، وامين الخولي.

    ودعا طه حسين إلى شيء اسماه «تطوير اللغة!» بتبديل الخط العربي أو اصلاحه وتهذيب قواعد النحو والصرف

    ____________________________

    1- لغتنا والحياة، عائشة عبدالرحمن، ص 101.

    2- اجنحة المكر، ص 306.

    التي ضبط بها القرآن الكريم والسنة النبوية. ولا يستبعد ان يكون طه حسين قد اراد التدرج في عملية الغاء العربية، لان الدعوة المباشرة قضية محفوفة بالمخاطر وقد لا يحالفها الحظ. وهناك من نادى بالغاء صورة الاعراب في الكلام العربي واللجوء إلى تسكين اواخر الكلمات.

    الدعوة إلى اللاتينية

    اول من تزعم الدعوة إلى الكتابة بالحروف اللاتينية هو المبشر «ماسينيون» الموظف في قسم الشؤون الشرقية في وزارة الخارجية الفرنسية. وقد بثت دعوته هذه في المغرب ومصر وسوريا ولبنان. وتابعه كولان وغيره، ثم شاعت هذه الدعوة بين خريجي معاهد الارساليات فحملوا لواءها في بيروت. اما في مصر فقد جرت محاولت كثيرة ابرزها تلك التي دعا إليها لطفي السيد وقاسم امين وسلامة موسى وعبدالعزيز فهمي. وحينما دعا الاخير إلى العدول عن الحرف العربي إلى اللاتيني، تلقف سلامة موسى دعوته بالتشجيع وراح ينفخ في الداعين اليها: «قلما نجد الشجاعة للدعوة إلى الاصلاح الجريء إلاّ في رجال نابهين لا يبالون الجهلة والحمقى، مثل قاسم امين أو احمد امين في الدعوة إلى الغاء الاعراب، أو مثل عبدالعزيز فهمي حين يدعو إلى الخط اللاتيني. والواقع ان اقتراح الخط اللاتيني هو وثبة المستقبل. ولو اننا عملنا به لاستطنعا ان ننقل مصر إلى مقام تركيا(!) التي اغلق عليها هذا الخط ابواب ماضيها وفتح لها ابواب مستقبلها».(1)!

    ثم ينتهي سلامة موسى إلى تقرير رأي فارغ: «وبالجملة نستطيع ان نقول ان الخط اللاتيني هو وثبة في الفور نحو المستقبل. ولكن هل العناصر التي تنتفع ببقاء الخط العربي والتقاليد ترضى بهذه الوثبة؟».(2)

    وكان انيس فريحة استاذ التاريخ واللغات السامية بالجامعة الاميركية ببيروت، في مقدمة دعاة اللاتينية بلبنان بذريعة تسهيل القراءة. ويعترض فريحة على اعتماد اللغة العربية لغة للجيل الحاضر لان قواعدها مستنبطة من القرآن الكريم والشعر العربي القديم: «ولكن لا يصح اعتماد اللغة ـ كما تحدرت الينا مدونة ـ مصدراً لدراسة اللغة في عهودها السابقة، وذلك لان الذين استنبطوا قواعدها وضبطوا احكامها اعتمدوا الشعر الجاهلي اولاً ثم القرآن الكريم مادة لغوية. ومتى كانت لغة الشعر ولغة الادب والدين مرآة تعكس لغة الناس في معاشهم ومكاسبهم».(3)؟!

    ويسخر قريحة من اللغة العربية والدين الاسلامي معاً حينما يقول: «.. فان علينا في مواقفنا الرسمية ان نتكلم بلغة الاجيال الغابرة، علينا ان نعبر عن احاسيسنا ودواخلنا بلغة وقفت في مجراها عند نقطة معينة من الزمان والمكان عندما احيطت بهالة من التقديس وعندخا سُيّج حولها بسياج من الاحكام فوقفت في تطورها عند هذه النقطة من الزمان والمكان».(4)

    وأدرك فريحة خطورة دعوته وعنف حملته على العربية والإسلام المرتبط بها والمرتبطة به فحاول ان يخفف من تأثير وطأة تلك الدعوة بطرح السؤال التالي:

    «ولكن لناس ان يسألوا ماذا سيحل بالقرآن الكريم؟».

    ثم يجيب بنفسه على سؤاله: «ان القرآن الكريم سيخلد على ما هو عليه كما بقيت كتب دينية عديدة، فبرغم

    ____________________________

    1- البلاغة العصرية واللغة العربية، سلامة موسى، ص 109.

    2- المصدر السابق.

    3- نحو عربية ميسرة، انيس فريحة، ص 11.

    4- المصدر السابق، ص 18 ـ 19.

    انحراف لغة الناس عن لغة هذه الكتب فان لغة هذه الكتب قد حافظت على روعتها وجلالها ومقامها الديني. هناك لغة التوراة الانجليزية المعروفة بترجمة الملك جايمس، فانها مع قدمها تعتبر في الانجليزية ـ إلى جانب مقامها الديني ـ قطعة ادبية رائعة.. وقل مثل هذا في لغة شكسبير فانها حافظت على كيانها ومقامها. وفي لندن اليوم مسرح مشهور يعرف بـ Ole vic لا يمثل فيه إلاّ روايات شكسبير بلغتها القديمة وبشعرها القديم وتعابيرها القديمة.. وها هي الكنيسة الكاثولكية فانها تعتبر الترجمة اللاتينية للتوراة لغة الكنيسة الرسمية، ولا يكون القداس إلاّ باللغة اللاتينية. وقل مثل هذا في الكنيسة الارثوذكسية التي حافظت على اللغة اليونانية التقليدية، والكنيسة المارونية التي احتفظت باللغة السريانية والكنيسة المسيحية الحبشية التي احتفظت باللغة السامية القديمة المعروفة بلغة الجعز».(1)

    وهكذا يبدو وبكل وضوح انّه يريد ان يقصر العربية على المسجد والقداس لا غير ويقتطعها والدين الذي تعبر عنه وتتحدث باسمه عن الحياة في جميع شؤونها، وهو الهدف الذي يسعى إليه الاتجاه للاسلام وللعالم الاسلامي

    #395558
    طـــلال
    مشارك

    الدعوة إلى اللاتينية

    اول من تزعم الدعوة إلى الكتابة بالحروف اللاتينية هو المبشر «ماسينيون» الموظف في قسم الشؤون الشرقية في وزارة الخارجية الفرنسية. وقد بثت دعوته هذه في المغرب ومصر وسوريا ولبنان. وتابعه كولان وغيره، ثم شاعت هذه الدعوة بين خريجي معاهد الارساليات فحملوا لواءها في بيروت. اما في مصر فقد جرت محاولت كثيرة ابرزها تلك التي دعا إليها لطفي السيد وقاسم امين وسلامة موسى وعبدالعزيز فهمي. وحينما دعا الاخير إلى العدول عن الحرف العربي إلى اللاتيني، تلقف سلامة موسى دعوته بالتشجيع وراح ينفخ في الداعين اليها: «قلما نجد الشجاعة للدعوة إلى الاصلاح الجريء إلاّ في رجال نابهين لا يبالون الجهلة والحمقى، مثل قاسم امين أو احمد امين في الدعوة إلى الغاء الاعراب، أو مثل عبدالعزيز فهمي حين يدعو إلى الخط اللاتيني. والواقع ان اقتراح الخط اللاتيني هو وثبة المستقبل. ولو اننا عملنا به لاستطنعا ان ننقل مصر إلى مقام تركيا(!) التي اغلق عليها هذا الخط ابواب ماضيها وفتح لها ابواب مستقبلها».(1)!

    ثم ينتهي سلامة موسى إلى تقرير رأي فارغ: «وبالجملة نستطيع ان نقول ان الخط اللاتيني هو وثبة في الفور نحو المستقبل. ولكن هل العناصر التي تنتفع ببقاء الخط العربي والتقاليد ترضى بهذه الوثبة؟».(2)

    وكان انيس فريحة استاذ التاريخ واللغات السامية بالجامعة الاميركية ببيروت، في مقدمة دعاة اللاتينية بلبنان بذريعة تسهيل القراءة. ويعترض فريحة على اعتماد اللغة العربية لغة للجيل الحاضر لان قواعدها مستنبطة من القرآن الكريم والشعر العربي القديم: «ولكن لا يصح اعتماد اللغة ـ كما تحدرت الينا مدونة ـ مصدراً لدراسة اللغة في عهودها السابقة، وذلك لان الذين استنبطوا قواعدها وضبطوا احكامها اعتمدوا الشعر الجاهلي اولاً ثم القرآن الكريم مادة لغوية. ومتى كانت لغة الشعر ولغة الادب والدين مرآة تعكس لغة الناس في معاشهم ومكاسبهم».(3)؟!

    ويسخر قريحة من اللغة العربية والدين الاسلامي معاً حينما يقول: «.. فان علينا في مواقفنا الرسمية ان نتكلم بلغة الاجيال الغابرة، علينا ان نعبر عن احاسيسنا ودواخلنا بلغة وقفت في مجراها عند نقطة معينة من الزمان والمكان عندما احيطت بهالة من التقديس وعندخا سُيّج حولها بسياج من الاحكام فوقفت في تطورها عند هذه النقطة من الزمان والمكان».(4)

    وأدرك فريحة خطورة دعوته وعنف حملته على العربية والإسلام المرتبط بها والمرتبطة به فحاول ان يخفف من تأثير وطأة تلك الدعوة بطرح السؤال التالي:

    «ولكن لناس ان يسألوا ماذا سيحل بالقرآن الكريم؟».

    ثم يجيب بنفسه على سؤاله: «ان القرآن الكريم سيخلد على ما هو عليه كما بقيت كتب دينية عديدة، فبرغم

    ____________________________

    1- البلاغة العصرية واللغة العربية، سلامة موسى، ص 109.

    2- المصدر السابق.

    3- نحو عربية ميسرة، انيس فريحة، ص 11.

    4- المصدر السابق، ص 18 ـ 19.

    انحراف لغة الناس عن لغة هذه الكتب فان لغة هذه الكتب قد حافظت على روعتها وجلالها ومقامها الديني. هناك لغة التوراة الانجليزية المعروفة بترجمة الملك جايمس، فانها مع قدمها تعتبر في الانجليزية ـ إلى جانب مقامها الديني ـ قطعة ادبية رائعة.. وقل مثل هذا في لغة شكسبير فانها حافظت على كيانها ومقامها. وفي لندن اليوم مسرح مشهور يعرف بـ Ole vic لا يمثل فيه إلاّ روايات شكسبير بلغتها القديمة وبشعرها القديم وتعابيرها القديمة.. وها هي الكنيسة الكاثولكية فانها تعتبر الترجمة اللاتينية للتوراة لغة الكنيسة الرسمية، ولا يكون القداس إلاّ باللغة اللاتينية. وقل مثل هذا في الكنيسة الارثوذكسية التي حافظت على اللغة اليونانية التقليدية، والكنيسة المارونية التي احتفظت باللغة السريانية والكنيسة المسيحية الحبشية التي احتفظت باللغة السامية القديمة المعروفة بلغة الجعز».(1)

    وهكذا يبدو وبكل وضوح انّه يريد ان يقصر العربية على المسجد والقداس لا غير ويقتطعها والدين الذي تعبر عنه وتتحدث باسمه عن الحياة في جميع شؤونها، وهو الهدف الذي يسعى إليه الاتجاه للاسلام وللعالم الاسلامي.

    #396025
    إشراق
    مشارك

    كلام جيد قرأت ماكتب بالون الأسود ؟؟؟؟؟؟؟
    أما الباقي أتعب عنيي…. لذالك لم أطلع عليه

    #501964
    Asmaa
    مشارك

    السلام عليكم،
    أنا طالبة جامعية أقوم ببحث عن اللهجات العربية المكتوبة، وعن الدعوة الى الكتابة باللغة العامية.
    هل لك أن تقدم لي بعض المعلومات في هذا الموضوع؟ أكون شاكرة.

    #502223

    السلام عليك،،

    موضوع طويـــل يستاهل كــل الشـــــــكر والتقدير.

    #502940
    سماره
    مشارك


    شكراً أخي طلال

    والله يجزيك بالخير ويبارك الله فيك على

    الطرح المفيد والجهد الرائع

مشاهدة 7 مشاركات - 1 إلى 7 (من مجموع 7)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد