اكاد في بعض حالاتي احقد على التكنولوجيا وكل سبل التقدم البشري .. واحيانا اتطرف في احساسي هذا حتى انني اعلق على التكنولوجيا كل فساداتنا او ما قد نصل اليه من فساد ، في سرائرنا واحاسيسنا حتى انني اكاد اتصورها تتغلغل في غرائزنا .

انني اشفق _ كل الاشفاق _ على الجيل المقل
اتصورهم يعيشون زخما من التكنولوجيا الهائلة التي تشغل افئدتهم ومعظم ادمغتهم وابصارهم .
وانهم سوف لن يحضوا بشم الزهور من منابتها سوف لن يتتبعو السواقي الطينية والحجرية وسوف لن تلتصق بملابسهم اشواك ( سيف الجن ) الناعمة .

آآه كم اذكر اياما قضيناها نطارد انفسنا بين السواقي والنخيلات الباسقة … وكانت تلك الشجيرات الشائكة ( سيف الجن ) كما يسمونها في بلدتنا تمد ايديها  لنا لتلامسنا كما يمد الناس ايديهم للابطال في الاساطير ليلامسونهم … تطالنا سيوفها تلك في بعض الاحيان فتشك ملابسنا بكميات من بذورها الشائكة لنوقف تطايرنا وجموحنا ونقضي بعض الوقت في التخلص من تلك الاشواك نزيلها واحدة واحدة .. معتبرينها شكلا من اشكال التسلية …
كان كل ما في هذا الكون هو من ملكنا وكل شيء ما وجد الا لاجلنا ، (اليس ذلك دنواً من الروحانية ؟؟ الم تكن ارواحنا بذاك قريبتاً من السماء … قربتاً من الله ؟؟ )
كان خيالنا لا يحد ، ذلك أن المجهول لم يكن من محيطنا … كل شيء نعرفه وما لا نعرفه نسأل عنه امنا او ابونا ….
_ ابي : مما هي هذه الشجرة الشائكة ؟
_ انها شجرة ( سيف الجن )
_ !!!
ونعرفها فيما بعد كذلك ونتصورها كذلك .
كل الطيور والفراشات والحشرات الطائرة والزاحفة كانت ملكنا ما دامت واقعة تحت قدرات ابصارنا .. اذ ان كل شيء يقع عليه بصرنا كان ملكنا لكن يجب ان يبقى في مكانه لان مكانه هناك ، العصافير يجب ان تضل حرة في السماء لتغرد للجميع ، لنا ولأصدقائنا  ولتطعم كتاكيتها التي هي ايضا لنا ….. كل شيء يبدو اجمل حيثما هو ..
حتى قطط بلدتنا كانت تعرفنا .. ربما تعرف ايضا ابناء من نحن ؟!
كانت تبادلنا نظرات تعبر عن معرفتها العميقة لنا … وكانت رغم فزعها منا احيانا تعرف جيدا اننا لا نريد إيذاءها انما نمازحها ، وهي بهروبها تمازحنا ممثلة الفزع .. ولا تعود .. فقط لتكمل لنا احساسنا الرائع بانها هاربه .

كل هذا الفراغ الرحب لم يعد موجودا (او ربما لا نراه ) .. فهل أبناءنا قادرون على رؤيته وملامسته ام انهم مشغولون – كما اراهم – بألعاب (الفاميلي جيم ) و(الكمبيوتر ) وقد اصبحت هذه المعدات الصامتة الجامدة التي ليس بها شيء من الحياه هي كل حياتهم وهي ذاكرتهم وذكرياتهم  ولا يوجد مجال لديهم لسخافات ( سيف الجن ) …