الأشياء بنفسه. ولغرابة سلوكه وآرائه، اتهمه الكثيرون بالجنون.. كان حين يسوء الطقس وتتساقط الثلوج، يخرج إلى الشارع ليتعرف على درجة الحرارة أو اتجاه الريح وسرعتها. وكثيرا ما كان يخوض في مياه الأنهار والبحيرات، وينام في البيوت المهجورة أثناء الليل، ليختبر وجود الجنيات والأشباح إذا ما زعم ذلك البعض من العامة.
ولد {تشارلز واترتون} عام 1782 لعائلة إنجليزية عريقة، يفخرأبناؤها بأن إسمها ورد ذكره في إحدى مسرحيات {شكسبير}. كان {تشارلز} دون أفراد عائلته لايرى في ذلك فخرا، ويحتج بأن لصوصا ومجانين وردت أسماؤهم في هذه المسرحيات أيضا. ولما بعث به والده وهو في السابعة عشرة من عمره إلى أمريكا ليعتني فيها بمزارعه، أخذ يعيش بين الزنوج والهنود الحمر كواحد منهم.
في مستعمرة غيانا البريطانية بأمريكا الجنوبية، عاش {تشارلز} بين الزنوج والهنود عاري الصدر وحافي القدمين مثلهم. كان ينتقل معهم بين الغابات والأحراش، ليصيد الثعابين ويجمع الطيور الغريبة والنباتات النادرة. ولسنوات عديدة، ظل يسعى لمعرفة تكوين السم الذي يستخدمه الهنود في سهامهم ونبالهم لقتل أعدائهم. كانوا يعتبرونه أحد أسرارهم، ويقوم ساحر القبيلة بإعداده على دقات طبولهم ورقصاتهم.
وخلال تجواله في الغابات والأحراش الموبوءة بالأمراض المتوطنة، أصيب {تشارلز واترتون} بالحمى و{الملاريا} مرات عديدة. وبينما كان يتوغل في غابات البرازيل حيث لم يصل أحد من الأوروبيين من قبل، حاول أن يمسك بيديه ثعبانا هائل الحجم، طوله ستة أمتار من فصيلة {البوا}. غير أن الثعبان أفلت من بين يديه، والتف حول جسده ليعتصره. وكاد {تشارلز} يفقد حياته لولا أن قام رفاقه من الهنود الحمر بإنقاذه. وهناك كشف له أحد السحرة سر السم، الذي كان خليطا من مسحوق بعض الأعشاب البرية وأنياب الثعابين، التي يتم غليها في الماء حتى تصبح عجينا.
لما عاد {تشارلز} إلى بريطانيا، وهو في نحو الأربعين من عمره، كان يحمل عددا ضخما من صناديق وأقفاص، تحوي الكثير من الحيوانات والحشرات والنباتات الغريبة. وبعد فترة، نشر مذكرات رحلاته في كتاب بعنوان (جولات في كل مكان)، وبرغم ما تعرض له من مخاطر وأمراض خلال رحلاته ، فقد عاش حتى الثالثة والثمانين من عمره. كان يتريض على شاطئ إحدى البحيرات بمزرعته، وحين شاهد عصفورا لم يكن قد شاهد مثله من قبل، حاول أن يتسلق الشجرة ليمسكه. ولضعفه في شيخوخته سقط على الأرض، وظل يتدحرج حتى فقد حياته.
عاش {تشارلز واترتون} حتى آخر لحظة من عمره، متطلعا للمعرفة وشجاعا. كان البعض يتهمه بالجنون خلال حياته، وبعد وفاته أفادت البشرية كثيرا من نتائج أسفاره وجولاته. استخدم الأطباء المادة الفعالة، التي اكتشفها في سم الهنود الحمر، للتخدير في العمليات الجراحية. كما ساعدت مجموعة الطيور والحيوانات، التي جمعها في أقفاصه، في تقدم العلم ومعرفة العديد من أنواع وفصائل الكائنات الحية.