الرئيسية منتديات مجلس الثقافة العامة عندما دخل الإسلام الفلبين (1)

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #134052

    أ. د. ناصر أحمد سنه

    إطلالة عامة:
    الفلبِّين هي تلك المجموعة من الجزُرِ التي تربو على (7000 جزيرة)، مساحتها ثلاثمائة ألف كيلومتر مربَّع، موزَّعَة في مياه المُحيط بين تايوان واليابان وإندونيسيا وشرقي ماليزيا.

    بعض جزر الفلبِّين بركانيَّة، وكثيرًا ما تتعرَّض للزَّلازل والبراكين الثَّائرة، والتي من بينها بركان مايون، وهو من أضخم براكين العالَم، ويقع في حزيرة لوزون، وبركان إيو في جزيرة مندناو، ويرتفع لمسافة 9.450 قدَمًا فوق سطح البحر، فضْلاً عن البراكين، فلدى الفلبِّين من الظواهر الطبيعية الكثير من: الزلازل، والانزلاقات الأرضية، والعواصف، والأعاصير… إلخ.

    موقع الفلبِّين في جنوب شرقي آسيا، غرب المحيط الهادي، موقع متميِّز وحيوي بين الشَّرق والغرب؛ فهي تُعدُّ جزءًا من أرخبيل الملايو الذي يضمُّ إندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، والفلبِّين، وبروناي، وأهم محاصيل البلاد: الأرز وقصب السُّكَّر وجوز الهند، بجانب أشجار الأبنوس، وخشب الورد، والنَّخيل، والموز، والأناناس، وغابات الصَّندل والكافور والخيرزان، ومن ثرواتها المَعْدنية: الذَّهب والفضَّة، والحديد والنُّحاس، والفحم والبترول، وتتمتَّع بميزان تجاري متوازن، حيث العجْزُ بين ما تُصْدر وما تستورد مليار دولار فقط.

    نظام الحكم في الفلبِّين نظام جمهوري رئاسي، والمجلس التَّشريعي لهذه الحكومة مُكوَّن من مجلس الشُّيوخ ومجلس النُّواب، وتتكوَّن من تسع وسبعين محافظة، ولقد تبَنَّت الفلبِّين إصلاحاتٍ قويةً في مجال التعليم العمَلي والنَّظري، فالحِرَف اليدوية يتمُّ الاهتمام بها، وهي تدرس في المدارس جنبًا إلى جنب مع المواد النظرية.

    إن الفلبِّين دولةُ تصدير عمالة محترفة، وتقوم السِّفارات الفلبِّينية بعقد دورات تدريبيَّة شِبْه مجَّانية في الكمبيوتر واللُّغات؛ لرفْع المستوى المهني للعمالة الفلبِّينية! بل وصل الأمر بالحكومة الفلبِّينية إلى بثِّ إعلانات عالَمية مدفوعة الأجر للدعاية للمستوى الفنِّي والتقني العالي للعامل الفلبِّيني! فتحويلات العاملين بالخارج وصلت إلى 7 مليار دولار سنويًّا؛ لذا فمن بين جاراتها لَم تتأثَّر الفلبِّين كثيرًا بالكوارث المالية الآسيوية عام 1998م، فمواردها البشرية وعمالتها المُدرَّبة كانتا سببًا في حل مشكلتها الاقتصادية.

    عدد سُكَّان الفلبِّين حوالي 86 مليون نسمة، أكثرهم (نحو 80 %) يدينون بالمسيحيَّة الكاثوليكية، بينما يُشكِّل المسْلِمون أكثر من ثمانية ملايين، ويُطلَق على المسلمين اسم مورو، وموطنهم في الجنوب، في خمس محافظات: محافظة لاناو الجنوبي، وماغيندانا، وباسيلان، وسومو، ومحافظة تاوي تاوي، هذه المحافظات الخمسة تحت سيطرة المسلمين؛ لكثرة عددهم فيها.

    نظرة سريعة على التاريخ البعيد والقريب:

    تَعُود أول آثارٍ للإنسان في الفلبِّين إلى 25 – 30 قرنًا قبل الميلاد (2500 – 3000 ق.م.)، استوطن شعب النِّغريتوس (Negritos)) هذه الجزُرَ، ولونهم أسْوَد، قِصَار القامة، صِغار الجسم، ومن بين النِّغريتوس قسم يُطلق عليه: الإندونيسيان، وهم الذين سكنوا هذه الجزر فيما بين 5 – 6 آلاف سنة قبل الميلاد، وهناك قسم من النِّغريتوس، وهم: الملايان، وقد سكنوا الجزُرَ فيما بين 200 – 300 عام ق.م؛ حيث قَدِموا إليها بواسطة مراكب شِراعيَّة، حامِلين مَظاهر حضارة زراعيَّة، والعديد من الأدوات المَنْزلية والمعيشيَّة، وبَنَوا مساكنهم من البامبو والخشب، ويقال: إنهم حمَلُوا أيضًا إلى الجزر الجاموسَ والخيل.

    العنصر الثاني من السُّكَّان كوَّنوا الهجرة الأُولى من الملايو فيما بين 1300م – 1400م وهم أرقى حضارة من سابِقيهم، وذَوو ثقافة، وقد حمَلوا مشاعل تعليم الكتابة بين السكان.

    ثالث عنصر من السُّكان وكانوا يشكِّلون الهجرة الثانية من مُسْلِمي الملايو، وقد جاؤوا إلى الجُزر فيما بين 1400م – 1500م، وانتشروا في معظم أنحاء البلاد.

    أمَّا سبب تسمية المسلمين بـالمورو فيُقال: إنه بعد مقتل ماجلان وبعودة بحَّارته لبلادهم التقوا في بحر فلاوان بسفينة، فسألوا بحَّارتها عن دينهم، فقالوا: نحن مسلمون على دين محمد – صلَّى الله عليه وسلم – فأطلقوا عليهم اسم (المورو)؛ تشبيهًا لهم بمسلمي مرَّاكش المعروفين للإسبان، لكن لم يَثْبت تاريخيًّا أن أحدًا من مسلمي المغرب قد وصل إلى هذه الجزر في تلك الحِقْبة من التاريخ، لكن عادة ما كان الإسبان والبرتغاليُّون يطلقون اسم (المورو) على المسلمين، فلما غزَوا الجزر أطلقوا عليهم نفس الاسم الشائع لديهم.

    ثم عرَفها الأوربيُّون في عام 1521م، فاستعمرت من قبل الإسبان، حيث قاموا بتحويل غالبية الشعب السكَّان إلى المسيحيَّة، في عام 1897م قامت ثوره ضدَّ الإسبان، ولكنها فشلت، وفي عام 1898م تحررت الفلبِّين من الاستعمار الإسباني عندما تدخَّل الأمريكان وهزموا الإسبان، ولكن الفلبِّين لم تنَل استقلالها الكامل؛ حيث حافظ الأمريكيُّون على وجودهم وحكمهم غير المباشر للفلبِّين.

    في عام 1941م غزا اليابانيُّون الفلبِّين، واحتلُّوها أثناء الحرب العالمية الثانية، فتعاون أبناء الفلبِّين – مسلمون وغير مسلمين – في مقاومتهم، وظلُّوا على هذا الوضع حتى انهزمت الجيوش اليابانية عام 1945م.

    وقد قامت القيادات الإسلامية خلال هذه المرحلة بتجنيد أربعين ألفًا من المقاتلين المسلمين الأشدَّاء الذين وجَّهوا أشدَّ الضربات لليابانيين، مما جعل الأمريكيِّين يُسلِّمون بمنْح الفلبِّين استقلالها عام 1946م.

    ووُضِع لها نظام حكم ديمقراطي على غرار النِّظام الأمريكي، لكن الأمريكيين لم يغادروا الجزر، وظلَّ لهم وجود عسكري واضح حتى عام 1991م.

    وإنه لمؤسف حقًّا أن تاريخ الفلبِّين المُدوَّن لم يَنظر إلى المقاومة الإسلامية في وجه الاستعمار الإسباني نظرة الدِّفاع عن الحق، ونظرة البطولة التاريخية لأبناء البلاد، بل نظر إليها على أنها عمل من أعمال القتْلِ والسَّلب أو قَطْع الطُّرق والقرصنة، يرجع ذلك إلى الكتب الإسبانية التي أجمَعَت على وصف المسلمين بالقراصنة، وهي الكتب الوحيدة المُدوَّنة؛ حيث لم يدوِّن مُسلمو تلك الجهات تاريخ الحركة الدَّعوية والجهادية، وتَبِع ذلك كثيرٌ من مؤرِّخي الفلبِّين الذين انساقوا وراء المستعمرين أو أخذوا عنهم، أو وجدوا الكتب أمامهم، فنقلوا عنها دون نقد أو تحليل، كما يَرجع هذا إلى موقف أوربا من المسلمين، بل ومن الإسلام، فهذه الكتابات لم تكن مجرَّدة، بل تحمل بين طيَّاتها العداء الصريح.

    دخول الإسلام إلى هذه الجزر:

    دَخَل الإسلام إلى جنوب شرقي آسيا من خلال التُّجَّار العرب، عبر الطرق البحرية التِّجارية، فأشرق على جزر إندونيسيا والملايو، ثم تقدَّم نحو الشمال الشرقي، فوصل جزر الفلبِّين في أعقاب القرن السَّادس الهجري، وكانت بداية الوصول عبر جزيرة صولو، إحدى الجزر الجنوبية.

    حمل المسلمون من أهل المنطقة لواء الدَّعوة الإسلامية، وتبَنَّوا نشرها بمساعدة مَن وصل إليهم من التُّجار العرب (سنة 880 هـ)، فانتشر الإسلام في مندناو، كما وصل المسلمون إلى لاناو في الجنوب، وتقدَّم إلى العاصمة مانيلا شمالاً، ومن ثمَّ تأسَّست ممالك إسلامية في تلك الجزر، وكان ملوكها من العرب، فقبل مجيء الاستعمار الإسباني في سنة 1521م، كانت الفلبِّين تُعرف بجزر شولو، أو عذراء ماليزيا؛ إذْ توجد بينها وبين ماليزيا الكثير من الروابط العِرْقية واللُّغوية والعقائدية.

    كان الإسلام هو الدِّين السَّائد في جميع أطرافها، فعندما وصَلَت سفُن ماجلان إلى شاطئ جزيرة جوام، خرج أبناء قبيلة كاموروس التي كانت تسكن هذه الجزيرة للترحيب بهم، وربما لم يكن سُكَّان هذه الجزيرة قد رَأَوا أيَّ أوربِّيين في ذلك الوقت، ولكنَّهم كانوا قد اعتادوا ممارسة التجارة مع الآخرين القادِمين من المناطق البعيدة، بما في ذلك العرب الذين كانوا من أوائل من شقُّوا طرُق التجارة البحرية مع سكان جنوب شرق آسيا والمحيط الهادي وشِبْه القارَّة الهندية؛ لذلك لم يَشْعروا بالقلق من نُزول رجال ذوي بَشْرة بيضاء على جزيرتهم، وقد سارع سُكَّان الجزيرة بمقابلة سفن ماجلان قبل أن تصل إلى الشاطئ في قوارب صغيرة محمَّلة بالطَّعام والغذاء، وكان سكان الجزيرة ينتظرون أن يَردَّ لهم الأوربيُّون الجميل بأجمل منه، ولكن خاب ظنُّهم.

    ومن ثم دارت المعارك الدَّامية بين هؤلاء الغُزاة وبين المسلمين في الجزر المختلفة، ففي جزيرة ماكتان دارت معركة عنيفة بين الغُزاة والمسلمين أسفَرَت عن مصرع ماجلان نفسه، قائد الحملة العسكرية الإسبانية، وإبادة جيشه، إلاَّ عددًا قليلاً تمكَّنوا من الفرار بإحدى سفنهم الثلاثة، وتتابعت الحملات الأوربية المحمَّلة بالتجار ومعهم المُسلَّحون الذين فرضوا سيطرتهم على تلك المناطق، لتبدأ مرحلةٌ من أطول مراحل الاستعمار في التاريخ، وقد بدأ الإسبان المسيرة الاستعمارية في جزيرة جوام، حيث استمرَّت سيطرة إسبانيا على هذه الجزيرة أكثر من أربعمائة عام، وبعد الإسبان جاء الأمريكيُّون ليحتلُّوا جزيرة جوام بعد نجاحهم في هزيمة الإسبان في الحرب الأمريكية الإسبانية عام 1898 م، التي انتهتْ باستيلاء الأمريكيِّين على أغلب المستعمرات الإسبانية في جنوب شرق آسيا مثل جوام والفلبِّين.

    إن السُّلوك الصليبِي الغربي كان واضحًا في عهد الاستكشافات الجغرافية، وكان هو الدافع الذي قاد إلى تلك الاستكشافات في عهد الاستعمار الغربي التِّجاري المُبكِّر في آسيا، كما كان واضحًا في الطريقة التي حكم بها الإسبان والبرتغاليُّون والأوربيُّون الآخَرون والأمريكيون العالمَ الإسلامي المحتل.

    ماذا استفادت هذه الجزر من دخول الإسلام إليها؟
    كان لانتشار الدعوة الإسلامية في جزر الفلبِّين مردودٌ حضاري بالغ الأهمية في حياة سكَّانها، فقَبْل وصول الإسلام كان الناس يَعبدون الأحجار والأشجار، والشَّمس والقمر، والجبال والحيوانات، وإن كانوا يعتقدون (كالمِصْريِّين القدماء) في البَعْث، فقد كانوا يضَعون مع الميِّت ملابسه وأدواته وأسلحته وبعض الأطعمة، بل قد وصل الأمر إلى أن بعض القبائل كانت ترى أنَّ مِن إكرام الميت قتْلَ جميع أفراد أُسْرته وعبيده؛ حتىَّ يكونوا في رفقته خلال حياته الأُخرى، ولكي لا يشعر بالوَحْدة في عالَمِه الأبدي، كذلك كانوا يعتقدون أنَّ رُوح الميت تحضر لمنْزِله لتأكل وتشرب؛ لذا كانوا يعدُّوا لها ما تشتهيه من أطعِمَة، ولمدَّة عام حتىَّ تَنْزل لقبرها.

    كانت بعضُ القبائل تحرق الميِّت هو وزوجاته الأحياء، كما كان يحدث في الهند إلى وقتٍ قريب، فقضى الإسلام على كلِّ هذه الجهالات، وارتقى بمفاهيم وعقائد الناس، وحرَّر عقولهم من الضلالة، ومَدَّن حياتهم بإشراق الأنوار والتحَضُّر، فآمن بالإسلام أهلُ الجزُر، وأخلصوا له، ومِن ثَم دَعَوا إليه.

    قبل قدوم الإسبان إلى جزر الفلبِّين كان أهلُها منتظمين في كيانات سياسية صغيرة، على رأس كلٍّ منها حاكم يُدْعى داتو، ويندمج بعضها مع بعض في كيانات أكبر، يحكمها راجا؛ لذا فقد عَرفت الفلبِّين نظامَ الدَّولة على أيدي المسلمين قبل عدَّة قرون من قدوم الحملات الاستعمارية الإسبانية بقيادة المغامر البرتغالي ماجلان، وادِّعائه اكتشاف هذه الجزر، ثم توالي الحملات عليها مُطْلِقين عليها اسم جزر الفلبِّين؛ إرضاءً لملك إسبانيا فيليب الثاني، واعتِرافًا بدَعْمِه وفَضْله في تحقيق أحلامه الاستكشافيَّة.

    في الأنديز المُسْلِمة – (الاسم القديم الذي يُطْلَق على مجموعة الهند وجزر جنوب شرقي آسيا) – وحسَبما يقول البروفسور هول: إنَّ العرب تاجروا مع مالايا والإنديز قبل زمن طويل من ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، ومع حلول القرن العاشر الميلادي كان التُّجار العربُ المسلمون نشيطين في تجارة الفلفل والقَصْدير من سومَطْرة والإنديز؛ ومن خلال الزَّواج المتبادَل، فقد نشروا الإسلام بين شعب المالاي.

    ويشير البروفسور هول إلى أن: سومطرة كانت تُحكَم من قِبَل سلطان مُسْلم في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي، وقد شَهِد القرنُ الرابع عشر الميلادي غزوات للإسلام إلى داخل مالايا عندما وسَّع ماجاباهيت مسلم – إمبراطور جاوه – سيطرته على شبه الجزيرة، ولكن نفوذ الإسلام في أعماق مالايا كان قد اكتمل خلال القرن الخامس عشر الميلادي، وبحلول ذلك الوقت كان الإسلامُ قد وصل أيضًا إلى الجزر الفلبِّينية، وتغلغل شمالاً حتى مانيلا، وحسب رأي هول فإنَّ المولوكاس (المعروفة بجزر التوابل) أصبحتْ مسلمة سنة 1498م، وهي نفس السَّنة التي دار فيها فاسكو دي غاما حول رأس الرَّجاء الصالح، ووصل إلى الهند.

    من رُوَّاد الدعوة الإسلامية في الفلبِّين:

    تقول إحدى الروايات: إنَّ بعض العَلويِّين فرُّوا من بني أُميَّة، أو من بَطْش الحَجَّاج، فاتَّخذوا طريقهم إلى الهند عبر حضر موت، ومن ثم إلى جزر جنوب شرق آسيا، واستقرَّ بعضهم في أرخبيل الملايون، وتوزَّعوا بين سومطرة وجاوه وجزر الفلبِّين.

    من الأسماء التي كان لها أثَرُها الكبير في نَشْر الدعوة الإسلامية في هذه الجزر ثمانيةُ أشخاص، هم: الشريف أولياء، الشريف مخدوم، الشريف مرجا، الشريف حسن، الشريف زين العابدين، الشريف أحمد رجا باقندا، الشريف أبو بكر، الشريف محمد بن علي، ويتحدَّث الشيخ (أحمد بشير) رئيس جمعية إقامة الإسلام بمدينة مراوي بالفلبِّين في كُتَيب صغير عن هؤلاء الرُّوَّاد، فيقول: الشَّريف مخدوم هو إسحاق ابن الشَّريف أولياء، وقد قَدِم إلى جزيرة مندناو وأرخبيل صولو عام 785هـ – 1365م، وكان غزير العلم، زاهدًا، وهب حياته للدَّعوة إلى الله – تعالى.

    وكان أكثر هؤلاء نشاطًا وشُهرة الشريف أبو بكر الذي لُقِّب: بالسُّلطان العامل المجد الدَّاعي المجتهد حامل بُشْرى الإسلام.. إلخ، وكان قد وصل إلى صولو عام 854 هـ – 1434م، وهو أول مَن أسَّس الحكومة الإسلامية في جزيرة صولو، وكان وليُّ عهده في حكومته أوَّلَ من تولَّى رئاسة القضاء، وكان قد تزوَّج من ابنة الشريف أحمد بن علي الملقَّب راجا قنداو والذي وصل إلى الجزيرة في عام 810هـ – 1390م.

    وبعد وفاة الشريف أحمد، تولَّى الخلافة والسَّلْطنة الشريفُ أبو بكر، فأقام بيت المال، وجدَّد المواساة بين الناس، وأداء الحقوق لأصحابها، وإخراج العطاء سنويًّا، ونظَّم نفقة للأرامل والأيتام والفقراء، وأسَّس مسجدًا في صولو سمَّاه عنوان الإسلام، ونظم البلاد وقاوم القراصنة وقطَّاع الطُّرق من الوثنيِّين، فانتشر الأمن في ربوع المنطقة، وانتشر نفوذ حكومته حتَّى وصل إلى جزيرة لوزون (أكبر جزر الأرخبيل)، وجزر بيساياس، وسيلي، وسيليبس، وسيلاواسي، وفالاوان، وشمال بورنيو وبحر الصين، امتدَّ الإسلام إلى هذه الجزر، ودخل أهلُها بهدوء وسلام إلى الإسلام، وأصبحت جزر الفلبِّين مملكة إسلامية، واستمرَّت خلافة هذا الدَّاعية النَّشِط واحدًا وثلاثين عامًا، حتى تُوفِّي في عام 885هـ – 1465م، وظلَّت المملكة الإسلامية قائمة حتى وصول ماجلان عام 940هـ – 1521م، فبدأ عهد الفوضى والتَّدهور والدِّماء.

    الشريف محمد بن علي، الشَّابُّ المقيم في ولاية جوهور (بجزيرة الملايو – ماليزيا) يستأذن والده في التوجُّه إلى الجزر الشرقية للدَّعوة في سبيل الله، ويُبحِر في عددٍ من المراكب الشِّراعية، هو وأخَواه أحمد، وعلوي، وعدد من المسلمين، فلمَّا بلغوا عُرْض البحار الكبيرة فرَّقَتْهم رياح شديدة، فوصل الشَّريف محمد إلى مندناو، وصل أحمد إلى صولو، بينما وصل علوي إلى بروناي، كان ذلك عام 906هـ – 1486م، ورحَّب أهالي مندناو بالشريف محمد بن علي، ووَلَّوه ملِكًا عليهم، وبايعه رؤساء القبائل، فكان أول من لقب بالسُّلطان في جزيرة مندناو، ثاني جزر الفلبِّين، صار الشريف محمد بن علي يتنقَّل بين القُرى داعيًا الناس إلى دين الله منظِّمًا أمورهم، ومدبِّرًا شؤونهم ومصالحهم، حتى استتبَّ الأمن والنِّظام، وعمَّ الرخاء أرجاء البلاد.

    الاستعمار الإسباني للجزر.. تعقب للقضاء على المسلمين في الأندلس:
    من المعلوم أنَّ المسلمين قد فتَحوا الأندلس في نهاية القرن الأوَّل الهجري، واتَّجهوا بعدها نحو أوربا؛ لإنقاذها مما تعيش فيه من الجهل والظَّلام، فأحرزوا بعض النَّصر، واستقرُّوا في جنوب بلاد الفرنجة، وتقدَّموا نحو الشمال، ثم توحَّدت ضِدَّهم قبائلُ البربر التي كانت تنتقل في تلك الأرجاء ومعها النَّصرانية المتربِّصة؛ حيث كانت الكنيسة تَحِيك الخيوط وتَنْسجها؛ لتستعيد سيطرتهَا من جديد على البقاع التي دخَلَها الإسلام؛ ونتيجة لذلك الاتِّحاد بين البربر والصليبيِّين هُزم المسلمون في معركة بلاط الشُّهداء بوسط فرنسا، وانسحبوا من ميدان المعركة، إلاَّ أنَّ هذا الانسحاب وإن لَم يمنع المسلمين من معاودة الجهاد في تلك الجهات، لكنه عَمِل على توحيد جهود أوربا لِمُساعدة نصارى الأندلس ضدَّ المسلمين، والوقوف معهم صفًّا واحدًا لقتال المسلمين، وطرْدِهم من الأندلس، وقد استمرَّ هذا الصِّراع عدَّة قرون.

    لقد كان ميل المسلمين في الأندلس نحو الرَّفاهية والملَذَّات، وتناحُرُهم وتفرُّقُ أمرائهم وتصارعُهم من أكبر عوامل ضعفهم وانحدار دولتهم وفق دَوْرة حياة الدُّول والحضارات، في حين كانت أوربا تتحيَّن الفرص للإجهاز عليهم، وقد تمَكَّنت من ذلك في نهاية الأمر، فبعد خروج المسلمين من الأندلس (898 هـ – 1493م)، لما شعرت أوربا بنشوة الظفر والنَّصر، انطلقت خَلْف المسلمين، ووضعت الخُطَّة لذلك، وكان رأس حربتها كُلاًّ من إسبانيا والبرتغال، فانطلق البرتغاليون حول إفريقية، ثم توجهوا شرقًا، فوصلوا إلى الهند، ومالاقا، وسنغافورة، وبعض الجزر الإندونيسية، أمَّا الإسبان فقد توجَّهوا غربًا لحصار المسلمين من كل جهة، وممن اقتنعوا بفكرة حصار المسلمين المَلاَّح البرتغالي ماجلان وسِيرته وقصَّة رحلته الاستكشافية الشهيرة حول العالم كان لها كبيرُ الأثر في موضوع كروية الأرض، ووضَعَت الأُسُس العِلميَّة لرسم خريطة اليابسة على سَطْحها، فعَرَض فكرته على ملك إسبانيا، فشجَّعه على القيام بها، وقدَّم له كلَّ ما يلزم.

    فغادر ماجلان إشبيلية في شهر رمضان من عام 925هـ – 1519 م، وسارت مراكبه على السواحل الشرقية لأمريكا الجنوبية، ووصل إلى أقصى الجنوب، ودخل ممرَّ أرض النار الذي عُرِف فيما بعد باسم مضيق ماجلان، ثم أبحَرَ في المحيط الهادي، وسار فيه مدَّة ثلاثة أشهر وعشرين يومًا، لم يَر خلالها عاصفةً، ولا يابسة، ثم واجه بعدها نقصًا في المُؤَن، وبدأ المرض يَفْتك بملاَّحيه، ولكن تحت إصراره استطاع أخيرًا أن يصل إلى تلك الجزر التي عُرِفت فيما بعد باسم الفلبِّين، وذلك عام 927هـ – 1521 م، وقد استمرَّت رحلته هذه عامًا وسبعة أشهر، واستسلم في نهايتها لليأس، وظنَّ أنه قد وصل إلى جزُر التَّوابل، وهي جزر الملوك في إندونيسيا، ولكن سرعان ما تبيَّن له أنَّ الأرض التي رسَتْ سفُنُه على شواطئها ليست هي الجزائر التي قصَدَها، فأطلق عليها سانت لازار.

    اتَّفق ماجلان مع حاكم جزيرة سيبو ويُدْعى هومابون على أنَّ يَدخل في النصرانية الكاثوليكية على أن يكون مَلِكًا على جميع الجزُر تحت التَّاج الإسباني، وأخذ ماجلان يعمل على تمكين صديقه من السيطرة، وانتقل الإسبان من جزيرة سيبو إلى أخرى شرقها، وتُدْعى ماكتان، وكان عليها سُلْطان مسلم يُدعى لابو لابو، ولما عَلِم الإسبان بذلك طاردوا نساءها، وسَطَوا على طعام أهلها، فقاومهم الأهالي، فأضرم الإسبانُ النار في أكواخ السكان، وفرُّوا هاربين.

    رفض لابو لابو الخضوع لماجلان، وحرَّض سُكَّان الجزر الأخرى عليه، ورأى ماجلان الفرصة مناسِبة لإظهار قوَّته، وأسلحته الحديثة، فذهب مع فِرْقة مِن جنوده لقتال لابو لابو وتأديبه، فطلب ماجلان منه التَّسليم: إنَّني باسْم المسيح أطلب إليك التسليم، ونحن العرق الأبيض أصحاب الحضارة أَولى منكم بحكم هذه البلاد، فأجابه لابو لابو: إن الدِّين لله، وإن الإله الذي أعبده هو إله جميع البشر على اختلاف ألوانهم، ثم هجَم على ماجالان، وقتله بيده، وشتَّت شمل فرقته، ورفض تسليم جُثَّته للإسبان، ولا يزال قبره شاهدًا على ذلك هناك.

    انسحب الإسبان من تلك الجزر بعد هزيمتهم ومقتل قائدهم، وتابع سباستين دل كانو نائب ماجلان الطَّريق، فوصل إلى إسبانيا في شوال عام 928هـ – 1522 م على ظَهْر سفينة واحدة، بقيت من أصل خمس سفن تألَّف منها أسطول ماجلان عند بدء الرِّحلة، وصل ومعه ثمانية عشر راكبًا من أصل 265 راكبًا.

    بعثَتْ إسبانيا أربع حملات متتابعة، وكانت هذه الحملات ترسو على شواطئ جزيرة مينداناو حيث يكثر المسلمون، فكان القتل من نصيب أفراد هذه الحملات جميعًا، وكان على رأس إحدى هذه الحملات روي لوبيز بين عامي 949 – 950هـ (1543م)، وهو الذي أطلق اسم الفلبِّين على هذه الجزر تيمُّنًا منه بالأمير فيليب أمير النِّمسا، والذي أصبح ملكًا على إسبانيا فيما بعد باسم فيليب الثاني.

    إن البرتغاليين عندما وصلوا إلى مالايا والإنديز، شنُّوا حربًا جديدة وعنيفة، كالحملات الصليبيَّة ضدَّ الإسلام، كما فعلوا قبل ذلك بعدَّة سنوات في شبه جزيرة إيبيريا (وهي شبه جزيرة إسبانيا والبرتغال)، ووصول الإسبان إلى الجزر الفلبِّينية في القرن السادس عشر جاء بالنتائج نفسها هناك، وخلال القرن السادس عشر وما بعده خاضت كلتا القوَّتين النَّصرانيتين عدَّة حروب ضد السُّلطان المسلم الوطني، وبالرُّوح الصليبية نفسها.

    وفي الحقيقة فإنَّ الإسبان لم يجدوا فرقًا بين العرب المسلمين في إسبانيا والذين سمَّوهم هناك مور، وبين المسلمين الذين سكنوا جزر الإنديز؛ ولهذا السبب فقد سمَّوا المسلمين أيضًا مور، وهذه الكلمة تحوَّلت فيما بعد إلى مورو، وحتى اليوم فالأقليات المسلمة التي بقيت بصعوبة في الأجزاء الجنوبية من الفلبِّين تُعرَف بهذا الاسم، لكن على الرغم من أن البرتغاليين والإسبان قد شرعوا في نشر النَّصرانية بالقوة بين سُكَّان جزر الإنديز، فإنَّ الإسلامَ قد انتشر في الجزر بطرق سِلْمية بشكل رئيس.

    أهداف الاستعمار الإسباني:

    بعد إبادة الحملات الإسبانية المتكرِّرة، تأكَّدتْ إسبانيا من قوَّة المسلمين في جزر الفلبِّين، فبدأ الغزو الإسباني الفعلي والحقيقي عام 973هـ – 1565 م؛ أيْ: بعد معرفتهم الأولى لهذه الجزر بسبع وأربعين سنة، وقد أعلن الإسبان صراحة أنهم جاؤوا لتطبيق سياسة هدفها: توسعة رُقْعة الممتلكات الإسبانية، وتنصير سكَّان البلاد المحتلَّة، وصلَت الحملة الإسبانية الكبيرة بقيادة لوبيز، واستقرَّت في جزيرة سيبو حيث شيَّدت قلعة حصينة فيها لإقامة الجنود، ثُم تَمَّ اتِّخاذ هذه الجزيرة قاعدة لغزو الجزُر الأخرى، حتى استطاع أن يستولي على مملكة رجا سليمان بعد قتال مرير، واستشهاد سُلطانها عام 978 هـ – 1571م، وأنشأ الإسبان على أنقاض قاعدة هذه المملكة مدينة مانيلا (في آمان الله) العاصمة الحالية.

    كان من عادة القوات الإسبانية أن تتحصَّن في القِلاع؛ خوفًا من انقضاض سُكَّان المستعمرات عليها؛ لذلك بنَوا في داخل مانيلا مدينة أخرى أحاطوها بأسوار ضخمة، وأطلقوا عليها اسم انترامورس؛ أي: المدينة المنوَّرة، وجعلوها مقرًّا لحكومة الاحتلال، حيث أُقيمت فيها محاكم التفتيش، وكانت هذه المحاكم من النوعية التي لم يَر التاريخ لها مثيلاً؛ شعارها (القسوة التي لا رحمة فيها، والاضطهاد الذي لا هوادة فيه لأعداء الكاثوليك).

    كانتْ هذه المحاكم تستمدُّ سلطتها من البابا مباشرة، ولا دَخْل للحكومات في تصرُّفاتها إلاَّ القيام بتنفيذ أحكامها، وكانت جلساتها سرِّية وكانت تتجسَّس بكلِّ الطُّرق، وتقبض على مَن تشاء، وتعذِّب المقبوض عليهم بما تراه؛ حتى تُكرههم على الاعتراف بالإلحاد فتُوقع عليهم عقوبة الإحراق أو السجن المؤبَّد ومصادرة الأملاك، حتى التَّائبون منهم يُسجَنون طوال حياتهم؛ تطهيرًا لهم من جريمة الإلحاد، وكانت هذه المحاكم تُراقب المطبوعات، وتحرق ما لا يتَّفق منها مع المذهب الكاثوليكي، ويَذكر التاريخ هذه المحاكم كأعظم نقطة سوداء في تاريخ النَّصرانية؛ لِمَا أجرتْه على الشعوب البريئة من الويلات.

    من مانيلا خرَجَت حملات أخرى لمدِّ سلطان إسبانيا على جزيرة لوزون وغيرها من المناطق الشمالية والجزر الوسطى، ووجد الإسبان أمامهم في هذه الجزر بعض السُّكان من المسلمين، ومنهم حُكَّامها، فأعطوهم اسم المورو، وهو الاسم الذي كانوا يُطلقونه على مسلمي المغرب، فأطلقوه هم والبرتغاليون على المسلمين أينما وجَدوهم فيه في مدغشقر وسيلان وجنوب شرقي آسيا.

    وفي عام 973هـ – 1565م حصل ليكاسبي على إذْن من فيليب الثاني باسترقاق المسلمين؛ لأنهم يَدْعون لعقيدة النبي محمد – صلَّى الله عليه وسلَّم – كما أُعْطِيت أوامر عام 986هـ – 1578م، للكابتن استبان رودر بهدم المساجد، ومنع إعادة بنائها في صولو ومندناو.

    حاول الإسبان السيطرة على الجزر كاملة، وقد استطاعوا أن يُخضِعوا الجزر الشمالية؛ حيث المسلمون قلَّة، إلاَّ أنهم قد عجزوا عن إخضاع الجزر الجنوبية التي استَعْصت عليهم رغم المحاولات المستميتة التي بذَلُوها في غزْوِها؛ إذْ صمد المسلمون من سُكَّان هذه الجزر صمودًا قويًّا جعل الإسبان يَيْئَسُون من السيطرة عليها؛ لذلك انصرفوا إلى المناطق الأخرى يوطِّدون بها سُلطانهم، ويبشِّرون فيها بالنصرانية الكاثوليكية.

    ظلَّت الحروب سجالاً بين الإسبان والمسلمين نحو 377 عامًا، وكانت سفن المسلمين المسلَّحة تقوم بمهاجمة السُّفن الإسبانية، وتأْسِر الآلاف من الإسبان، وتبيعهم في سوق الرَّقيق، كرَدِّ فِعْل لما فعَلَه الإسبان لاستعباد المسلمين وتنصيرهم.

    أدرك الإسبان استحالة سَحْق المسلمين، فاعترفوا عام 1252هـ – 1836 م باستقلال سُلطانهم في صولو، ولكنَّهم عادوا واستولوا على حاضرة البلاد عام 1291 هـ – 1874م، فلجأ المسلمون إلى القيام بالغارات، فكان حُكْم الإسبان اسميًّا فقط، فكتب بلتزار جير إلى الحاكم الإسباني عام 1298هـ – 1881م يقترح اتِّباع سياسة قبول الواقع الإسلامي، فهي الطريقة الوحيدة لوقاية النُّفوذ الاستعماري من الانهيار.

    نتيجةَ هذا فقد انقسَم سُكَّان الجزر إلى عدَّة مجموعات، واحدة تتألَّف من الذين غلبوا وتحوَّلوا إلى الكاثوليكية، وقد أسلَمَت زمامها إلى المدنيِّين الإسبان وإلى الكنيسة، ويعيش هؤلاء غالبًا على شكل جماعات مستقرَّة في قُرى تُدْعى الباريوز، ويعملون في زراعة الأرز، والثانية مجموعة لم تُهزم، وتمسَّكت بمعتقداتها في الأرواح، وانعزلت في الجبال والمناطق الداخلية من البلاد في الجزر الرئيسية، أمَّا المجموعة الثالثة من السُّكان فهي التي لم تُهزم أبدًا، وقد كان أفرادها يعيشون تحت سُلْطة أربع سَلْطَنات إسلامية، يكسبون عيشهم من التِّجارة والصَّيد البحري.

    والوجود الإسباني في جزر الفلبِّين قد نتَج عنه وجودُ عنصر خليط عُرِف باسم مستيزو، وقد نشأ من تزاوُج السُّكان مع الإسبانيين أو الصينيين، وأصبح لهذا المزيج دورٌ في المجتمع، وامتزجت أقلِّيات أخرى فيما بعد، شملت الهنود والأوربيِّين والأمريكان.

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد