على يمينها القلمُ لا يحرّك ساكناً ، وانعكاس الشمس على غطاءهِ يعطيهِ رونقاً أخاذّاً ،
يُلبسهُ ثوباً مهيباً ما أن وقعتْ عيناها الناعمتين عليه حَتى أثَار فيها نشوةً لم تشعرْ بمثلها منذْ زمن ..
أيعقلُ أنْ يكونَ قدْ شعرَ بحاجتها إليه ؟!!
تتقدمُ ببطء تسحبُ فيه خطواتها ..
تمدُ يدها إليه في حنان ..
تحتضنهُ برفقٍ بينَ كفيّها الباردتين ..
وتغوصُ في عالمٍ دافئ ..

تبعدهُ عنها بنفسِ البطء الذي احتضنته فيه ، وتتأملهُ بجدية ..
تقومُ بخطواتٍ أكثر اتزاناً وتقرر سحبَ ورقةٍ بيضاء ..
ناصعةِ البياض ..!
إما أنْ تكونَ هذهِ ورقتها الرابحة ..
وإما ..
وإما .. أن تكونَ الخسارة على يديها ..

تخطّ محاولةً استجماعَ ما تستطيعُ من قوة :

… // …

سيـدي الكريم ..

قد لا يكونُ هنالكَ بقايا أثر للقائنا الأول في ذاكرتك ،
فأنتَ تصادفُ العشراتِ من أمثالي كلّ يوم ، لا يختلفنَ عني بشيء ،
سوى أنهنّ قد يكنّ أكثر جمالاً وأكثر استحقاقاً للفتِ انتباهك .
ولكن نظرتكَ تلك … أيعقلُ أن أنساها ؟!!
حمقاءُ أنا حينَ نفيتُ أنْ تكونَ النظرةُ سبباً في ارتباطِ روحين ..
خزعبلاتٌ كنت أظنّها ، وها أنذا أقرّ بأن عقلي كان قاصراً وروحي كانت خالية ..

حتى التقيتك …

… // …

سيدي ..

ظللتُ لعشرينَ سنةٍ أرغمُ قلبي أن يعيشَ في قوقعةٍ ذاتيةٍ سميكةٍ للغاية ،
كلما غادرني الليلُ وبزغَ الصبح ، أضافَ ذلك من رصيدِ السماكة الكثير ،
حتى غدت القوقعةُ الهشّة حجراً ينامُ في جوفهِ قلبي المحطم بسلامٍ واطمئنان ..

حتى التقيتك ..!!

عيناكَ الهادئتين لم تتركا لي مجالاً للهرب ..
حاولتُ ذلك ..
صدقني حاولت ..
لكنكَ لمْ تساعدني ..
ظلّت عيناك تحدقانِ باتجاهي وهدوء عجيب يلّفهما ..
أحاولُ أن أزيحَ عينيّ بعد أن شلتْ أطرافي وتسمرّت قدماي كالثلّج ،
ولكن ابتسامتكَ هي الأخرى شاركت في تقييدي ،
فكانتا معولاً هدم تلك القوقعةِ قبل أنْ يتمكنَ قلبي من تجميعِ حطامه ..

ولكنه عاد ينبضْ ..
نعم ..
عادَ ينبض ..

أيقنتُ عندها أنّكَ هو ..!!
ولكن
هيهات ..

… // …

سيدي الفاضل ..

تلك النظرةُ للأسف – أقولها والحسرةُ تأكلني – هي البداية والنهاية ..
لا أزالُ أشعرُ بالرعشة بينَ أطرافي عندما هاتفتني أختك معربةً عن رغبَتها في أنْ تكونَ المرسالَ بيننا ..
أنا وأنت ؟!!
أتصدق ذلك ؟
أنــا ؟!!

احتجتُ لدقيقةٍ كاملة قبلَ أن تبدأ حنجرتي بتجميعِ بقايا صوت لأردّ عليها ..
( خير إنْ شاءَ الله .. أعطيني مهلة عزيزتي لأرد عليك )
ماذا أستطيعُ أن أقولَ غير ذلك ؟! هل يحقُ لمثلي أن تحلمَ بأكثر من نظرة ؟!!
لا يحقُ يا سيدي .. لا يحق
أوَتعلمُ لماذا ؟
لأنني أعيشُ في مجتمعٍ يعطي المرأةَ كرتَ الطّهارةِ والشرف مقابلَ قطراتِ دمٍ لا يتجاوزُ عددها أصابعَ اليد ..
لأنني أحيا بين أناسٍ مهما رأوا من نبلي وأخلاقي وعفّتي ، إلا أنني يجب أنْ أمنحهم قطرات سلبتْ مني عنوةً قبل أن أعي معنى الحياة ..

عشتُ يا سيدي فترةً طويلةً من حياتي أحاولُ اقناعَ نفسي أن ذلك المشهدَ كان من نسجِ خيالي ..
وأنني ما زلتَ ( أنا ) .. كما خلقتْ ..
ولكن كلمّا مرت السنوات .. ازدادَ المشهدُ وضوحاً .. وازدادتْ روحي تمزقاً ..
ظننتُ وأنا الطفلةُ البريئة أنني لا ينبغي أنْ أخافَ منه أو أحذره ، فهو يعيشُ بيننا ويأكلْ معنا ويجالسنا ..

ذاتُ السنواتِ السبعِ كنتْ ..
ومنْ يومها توقفتُ عن النمو !!

… // …

سيدي المحترم ..

أوَيناسبك أنْ أناديكَ بهكذا نداء ؟!!
بحثتُ طويلاً عن لفظٍ رسميٍ أناديك به دونَ أن أتجاوزَ حدودي معك ..
فلمْ أجد أفضلَ من هذا ..
فأنتَ السيدُ دائماً ..
وأنا المرأةُ ( الناقصة ) التي يتوقعُ منها أنْ تبحثَ عمّن يسترها .!!
يسترني منْ سرقةِ روحي وكياني ونفسي وعقلي وأشلاء ذاتي ..
لا لذنبٍ اقترفته ..
سوى أنني خلقتُ أنثى ..

وأنتَ أيها الرجل منْ حقكَ أن تحصلَ على امرأةٍ بتاريخٍ نظيف ..
نعمْ هو حقك ..
ذلكَ أن تاريخك مهما لامستهُ أناملُ النسوةِ منْ حولك يظلُ نظيفاً لامعاً ..
وأنا الأنثى مهما صنتُ نفسي وحفظتُ جسدي ، أظلّ بدون تلك القطرات بقعةً سوداء لا تصلحُ لأن تكونَ زوجتكَ وشريكةَ حياتك ..

نعم يا سيدي ..
هِيَ قَطَرات ..
ولكنكمْ ترونها أكبرَ من ذلك ..!!

مَودّتي ..

.
.
.

تغلّفُ الورَقةَ بتأنٍ ظاهر ..
تسلمها لأخيها وتعودُ إلى سريرها الباردْ ..
و تبني القوقعةَ من جديد ..

تـــ مّ ــتْ