تقع ُ منطقة ُ قـُباء على الطريق الذي سلكه الرسولُ محمد صلى الله عليه وسلم َ عندما هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، وعلى بعد خمسة كيلومترات ٍ في الجنوبيةِالغربية ِ للمدينة المنورة ؛ وهي منطقة ٌ مشهورة ٌ ببساتينها ونخيلها ، وهي في الأصل بئر ماء ٍ عـُرفت به هذه المنطقة ، وأصبحت إحدى ضواحي المدينة المنورة .

وصول الرسول عليه الصلاة والسلام إلى قباء

تشيرُ المصادرُ إلى أن الرسول َعليه الصلاةوالسلامُ وصل إلى قباء يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع ٍ الأول من السنة الأولى للهجرة النبوية ( يوافق 23 / 9 / 622 م ) ونزل في دار بني عمرو بن عوف عند شيخها كلثوم بن الهدم ، ومكث فيها أربعة أيام ٍ هي الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وأسس فيها مسجد ِ قباء ، بناءا ً على إقتراح ٍ من عمار بن ياسر ، وذلك في نفس المكان الذي كان المتقدمون من أصحابه في الهجرة ومن الأنصار يستخدمونه مصلى ً لهم .

تاريخ بناء مسجد قباء

روى الطبراني عن جابر ٍ رضي الله عنه أنه قال : لما قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة مهاجرا ً من مكة المكرمة قال لأصحابه … إنطلقوا بنا إلى أهل قباء نسلم عليهم … فاتاهم النبي عليه الصلاة والسلام ، وسلم عليهم ، فرحبوا به ثم قال : … يا أهل قـُباء إئتوني بأحجار ٍ من هذه الحرة َ … فجمعوا حجارة كثيرة ، ثم قام عليه الصلاة والسلام ، فأمسك بعصاه وخط َ بها خطا ً على الأرض كي يحدد لهم قبلتهم ، ثم أخذ حجرا ً فوضعه ، ثم قال يا أبا بكر خذ حجرا ً فضعه ُ إلى حـَجـَري ، ثم قال ياعمر خذ حجرا ً فضعه ُ إلى جنب حَجَر أبي بكر ٍ ، ثم إلتفت عليه الصلاة والسلام إلى الناس فقال … ليضع كل رجل ٍ حَجَره ُحيث أحب َّ على ذلك الخط … .
وقد روى الطبراني عن الشموس بنت النعمان الأنصارية ِ أنها قالت : نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم َ حين قدم ونزل وأسس َّ هذا المسجد َ ( تعني مسجد قباء ) فرأيتـُه ُيأخذ ُالحجرَ أو الصخرة َحتى يهْصُره ُالحجر ( أي حتى يضمه إليه ِ لثقله ِ )……….. فيأتي َ الرجل ُ من أصحابه ويقول ُ : بأبي وأمي يارسول الله أعطني أكـْفـِيك َ فيقول : … لا … خذ مثلـَه ُ… .
أما إبن شبه فقد روى أن عبدالله بن رواحة كان يُنشد أثناء البناء ليبعث الهمة في نفوس الرجال ويقول : ـ
أفلح َمن يعالـج المساجـدا (وكان الرسول عليه السلام يردد المساجدا)
ويقرأ القرآن قائما ًوقاعـدا(وكان الرسول عليه السلام يردد قاعــدا )
ولا يـبيــت الليــــل راقــدا(وكان الرسول عليه السلام يردد راقــدا )

بناء المسجد

صورة ٌ قديمة ٌ جدا ً لمسجد قباء

بُني المسجدُ بشكل ٍ أوليٍّ من الحجر ، في منتهى البساطةِ والتواضع ، وتم إتخاذ سقف ٍ له على جذوع النخل ليقي المصلين حرالشمس ومطرالشتاء ،ولم يكن له مئذنة ٌومحراب ٌ
وبذلك يكون مسجد قباء ٍ أولُ مسجد ٍ بُني َ في الإسلام لجماعة المسلمينَ عامة ً، حيث صلى فيه عليه الصلاة ُوالسلامُ جماعة ً ظاهرا ًمع أصحابـِه ِ، وقد حاز مسجد ُ قـُباء شرفَ وضع النبي ِّ عليه الصلاة والسلام ُ لأساساته ِ والمشاركة الفعلية َ في بنائه ِ، لكن المنافقين قاموا ببناء ِ مسجد قبالَة مسجد قباء ، ودعوا الرسول عليه السلام ُ ليصلي فيه ، فنزل جبريل ُ عليه السلام ُ ، وحذر سيدنا محمدا ً صلى الله عليه وسلم َ من كيدهم … ونزلت عليه الآية الكريمة ُ : {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } والآية ُ {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } ( التوبة 107ــ 108) .

وكانت قبلتـُه إلى بيت المقدس حتى أتى جبريل عليه السلام ليـُريَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم َ القبلة الشريفة َ؛ حيث ُأنزل الله آيتـَهُ الكريمة َ عليه ِ {…قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ … } هذا ويُعتبرُ مسجدُ قـُباء ثانيَ مسجد ٍ في المدينة ِالمنورة ِ، من حيث الأهمية ، بعد المسجد النبوي الشريف .