لقاء عاهل البلاد بأعضاء مجلس عمان ليست مناسبة يومية بل هو اجتماع يعقد مرة واحدة كل عام. لذا فإن النطق السامي في هكذا إجتماع لا بد و أن يكون فحوى مواده أهم القضايا التي يود جلالته أن يوجه أعضاء المجلس ثم أعضاء الحكومة بكافة عناصرها للأهتمام بها. و من المؤكذ بأن هذه القضايا مما لها تأثير مباشر و حيوي على مصلحة البلاد و العباد.

و قراءة متأنية في الخطاب السامي نجد فيه بأن القضية الأساسية التي تناولها هو ما يتعلق بالموارد البشرية العمانية أي ما هو مصطلح عليه بالتعمين. و جاء في الخطاب بأن جلالته وجه في العام الماضي نداء إلى القطاع الخاص لكي يفتح أبواب العمل للمواطنين للعمل في معظم الشركات كبيرها و صغيرها و في كافة المجالات.

و لكن مما يؤسف له أن هذا النداء الحيوي لم يتمخض خلال هذا العام إلا من مجرد تنسيق بين الجهات الحكومية المعنية و القطاع الخاص في سبيل إعداد الخطط و البرامج و صياغة السياسات و الإجراءات الهادفة إلى زيادة نسب التعمين. و السؤال هنا إلا تستطيع القيادات الاقتصادية في بلدنا هذا من إتخاذ إجراءات و خطوات و مبادرات ذاتية في هذا المضمار دون تدخل و إجبار و ضغط من الحكومة؟

ثم ألم يكن في جعبة الجهات الحكومية أي خطط و برامج وسياسات و إجراءات هادفة للتعمين تبادر بوضع نداء صاحب الجلالة العام المنصرم موضع التنفيذ؟ ماذا كانت هذه الجهات الحكومية تعمل منذ أعوام و أعوام و الكل ينادي بالتعمين و يحذر من خطر العمالة الوافدة التي تعيث في اقتصاد البلاد خرابا و دمارا و استنزافا؟

ثم ماذا لو اخذت المؤسسات الوطنية زمام المبادرة و تخلصت من كل هذه العمالة الآسيوية الغير ضرورية و أبدلتها بالعمالة الوطنية الوفيرة. صحيح أن هذا الاستبدال سيرفع تكاليف تشغيل هذه المؤسسات مما سيؤثر خفضا في الفوائد التي تحصل عليها تلك المؤسسات، ذلك التخفيض الذي لن يؤثر أبدا في طريقة حيات أصحابها المرفهة و لا في احتياجاتهم و مصاريفهم الباهظة و لن يعطل خططهم بقضاء صيف بارد هاديء هم و عائلاتهم في المصايف الأوربية، و لكنه بالتأكيد سيؤثر على اللآلاف من أفراد الشعب العماني من الشباب الذين أمضوا سنوات و سنوات و هم و أهاليهم يقاسون شظف العيش ليؤمنوا لأولادهم و فلذات أكبادهم الوسائل و المقومات ليتفرغوا لنيل أكبر قسط من التعليم تستطيع هذه الظروف و الإمكانات البسيطة أن تؤمنها لهم. و هاهم تخرجوا و نالوا الشهادات التي كانوا يحلمون بها و بالتالي فأنهم سيعوضون أهاليهم من ذلك الحرمان و في نفس الوقت سيبنون لأنفسهم حياة جديدة كريمة و لكن مع الأسف تتحطم آمالهم و أحلامهم عند أعتاب مدراء التوظيف و المسؤولين في هذه المؤسسات الوطنية و الذين جلهم من الآسيويين.

إن صاحب الجلالة و هو يكرر هذا العام أيضا النداء في هذا الباب بالذات و أعني به “التعمين” أحٍسُّ من كلماته و كأنه يعاتب هؤلاء الموكل إليهم بأمر الموارد البشرية. و أشعر بأن جلالته غير راض بما تم في هذا المجال. و لكنه و لسمو أخلاقه و علوها و عظمتها لا يود مجابهتهم بذلك و إنما يلمح لهم من خلال تكرار الخطاب و للعام الثاني على التوالي و دون أن يثني على هذا الموضوع موضوعا آخر.

جلالته يعلم تماما بأن المواطن الفقير الجائع المهان في وطنه قنبلة موقوته قد تنفجر في أي لحظة. إهانة لا يتحملها مواطن و هو يرى سنوات عمره في التحصيل العلمي تضيع هباء و ذلك الوافد يصل إلى أرض بلاده بتذكرة مدفوعة ليجد سكنا مؤمنا و وظيفة جاهزة و راتبا مجزيا و سرعان ما يحضر زوجته و أولاده لينضموا إليه و هو لا يستطيع حتى تأمين قوت يومه.

جلالته يهمه راحة شعبه و تقدمه و إمساكه بمقدرات وطنه فهو الذخر و الذخيرة، و هو الأمل و هو المرتجى، و هو جبهة الدفاع الأولى ضد قوى التخلف و التشرذم و كتيبة القتال الأولى في كسب معركة البناء و الرقي. بينما هناك من الشركات التي تسمى بالوطنية من لا يهمه إلا ازدياد أرصدته المصرفية بالتقليل من مصاريف تشغيل مؤسساته حتى لو كان في ذلك إشباع ألف آسيوي قليلي التكلفة و تجويع ألفي مواطن رغم حق الدين عليه و حق الوطن عليه في تشغيلهم و إعالتهم و توفير سبل العيش الكريم لهم.

و عسى أن يعي المسؤولون في الدولة و عسى أن يحس المسؤولون في الشركات الوطنية ما تخفيه وراء سطورها كلمة مولانا صاحب الجلالة المعظم.