الرئيسية منتديات مجلس الثقافة العامة نضرية تحتاج الى تاصيل

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #122574

    تمهيد في التأصيل (رؤية في التأصيل الإسلامي لعلم النفس)

    معلومات أكثر عن هذا الكتاب
    ——————————————————————————–

    خاتمة التمهيد
    في هذا الكتاب تناولت عدداً من القضايا والمفاهيم الممهدة للتأصيل الإسلامي لعلم النفس التي أرى أنه لا يصح لمن يشتغل بالتأصيل أن يجهلها، ومن اشتغل به وهو يجهلها فربما أساء أكثر مما يحسن، وأفسد أكثر مما يصلح. وقد تركت قضايا أخرى كثيرة هي ممهدة للتأصيل وشرط في صحته، وأسأل الله عز وجل أن يعينني للكتابة فيها فيما بعد.
    وفي ختام هذا الكتاب لابد من إعادة التأكيد على عدد من القضايا وردت في ثناياه:
    الأولى: نظرية المعرفة:
    إن نظرية المعرفة نظرية للوجود كله وهي قضية سابقة على علم نفس إسلامي، فسواء وجد عندنا علم نفس إسلامي أم لم يوجد، لا بد لنا من نظرية للمعرفة تنظم علاقتنا بالوجود وما فيه من سنن. ودلائل هذه النظرية وأسسها موجودة في القرآن والسنة، والذي ينقصنا هو تطبيقها في مجالات المعرفة المتعددة بما فيها دراسة النفس، وذلك هو مقتضى كوننا مسلمين.
    إن نظرية المعرفة عندنا ـ معشر المسلمين ـ تصور شامل وكامل، يتناول الوجود كله بما فيه من عالم غيب وعالم شهادة، وهذا هو مظهر شموله. وهو يحدد مستويات الإدراك في كل من عالم الغيب والشهادة ووسيلة التعرف في كل مستوى، وهذا هو مظهر كماله.
    ومشكلتنا أننا نحينا تصورنا المعرفي واستعرنا تصوراً معرفياً آخر، وأطلقنا عليه منهج البحث العلمي ـ كما فعل غيرنا ـ وحاولنا أن نفهم الوجود من حولنا من خلال هذا التصور المستعار، فكان لابد من أن نجني ثماره المرة ونقع في التناقض الذي وقع فيه غيرنا، ونفتعل معركة وهمية بين الدين والعلم كما فعل غيرنا.
    وتأصيل علم النفس بل سائر العلوم يبدأ من نظرية المعرفة ذاتها، فما لم تكن صحيحة فلن يصح ما يبنى عليها من علوم ونظريات، وتصحيحها يكون بتنحية نظرية المعرفة المستعارة وما سميناه تقليداً بالمنهج العلمي والرجوع إلى نظريتنا المعرفية الإسلامية وإعادة بناء ما ندرسه من علوم وفق هذه النظرية. وكثيرون ربما يستنكرون هذا القول، ويصيحون قائلين: مه! أترفض المنهج التجريبي! أترفض الإحصاء! وهذا الاستنكار سببه في الحقيقة الجهل بنظرية المعرفة الإسلامية ونظرية المعرفة العربية التي بنيت عليها العلوم الحديثة. وقد ناقشت هذه المسائل في الفصلين الأول والثاني من هذا الكتاب وبينت أننا لا نرفض الإحصاء ولا المنهج التجريبي، والمنهج التجريبي نحن رواده ومن عندنا خرج، وإنما نرفض ما قامت عليه نظرية المعرفة الغربية من إلحاد و محادّة للدين الحق ضمن مسائل أخرى بينتها هناك.

    الثانية: العلاقة بين الوحي والعلم:
    قلت إن نظرية المعرفة الإسلامية شاملة وكاملة، لا تحتاج إلى أن تستعير بعض آليات نظرية المعرفة الغربية. وهي تمد الباحث بأدوات النظر في النص من جهة وبأدوات النظر في معطيات العلم الحديث من جهة أخرى.
    إن بعض المشتغلين بالتأصيل لم يدركوا استقلال التصور المعرفي الإسلامي وكفايته، ولهذا لم يحسنوا الربط بين معطيات العلم الحديث ونصوص القرآن والسنة، فهم موزعون مشتتو الذهن بين نظرية المعرفة الإسلامية ونظرية المعرفة الغربية، ولهذا يأتون بتلفيقات في الجمع بين نظريات علم النفس وحقائق الإسلام ونصوص القرآن والسنة، لا تستقيم في ميزان الإسلام ولا في ميزان علم النفس.
    وهذه المشكلة قديمة بدأت من حين بدأ احتكاك المسلمين بالثقافة اليونانية، حيث تصدت طائفة من أبناء المسلمين ـ ممن لم يدرك اكتفاء التصور المعرفي الإسلامي عن سواه ـ للربط بين نصوص الوحي والعقل المعرفي اليوناني، فكانت النتيجة أنهم ـ كما قال ابن تيمية رحمه الله ـ لا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا. وهؤلاء الذين سلكوا هذا المسلك لم ينضج في أذهانهم التصور المعرفي الإسلامي، فكانوا ينظرون إلى حقائق الإسلام ونصوص الوحي باعتبارها قضايا جزئية، وينظرون إلى الثقافة اليونانية ممثلة في منطق أرسطو باعتبارها منهجاً متكاملاً، وكانوا يريدون فهم القضايا الجزئية (حقائق الإسلام عندهم) وإعادة تركيبها وفق هذا المنهج المتكامل (المنطق الأرسطي)، ولهذا اختلت عندهم الوحدة المنهجية في التصور الإسلامي، بل لم يعد لها وجود.
    وهذا الخطأ ليس خطأ جزئياً يمكن تجاوزه، بل هو خطأ جوهري يتمثل في خطأ المنهج ذاته، واختلال قواعده، وتصحيحه لا يكون إلا بإعادة بناء العقل المعرفي عنده مرة أخرى.
    ونحن في علم النفس تواجهنا هذه المعضلة مرة أخرى وبصورة أخطر بسبب القطيعة بيننا وبين المعارف الإسلامية. ومن صور هذه المعضلة أنك تجد بعض المشتغلين بالتأصيل ينطلق من النظرية النفسية الغربية ويحاول ملء فراغاتها ببعض المفاهيم الإسلامية أو تحليتها وتزيينها بها. والخطأ هنا خطير، لأن مَن هذا شأنه لا تمثل الحقائق والمفاهيم الإسلامية عنده كلاً متكاملاً، وإنما هي مجرد جزئيات fragments تحتاج إلى نظرية كلية تجمع بينها وتؤلف بين أجزائها. وقد ذكرت أمثلة لهذا الانحراف في الفصلين الأول والثالث من هذا الكتاب.
    إن مَن هذا شأنه عاجز عن التأصيل، لأن التأصيل هو إعادة بناء علم النفس وفق التصور المعرفي الإسلامي، وهو عاجز عن البناء وعاجز عن إدراك التصور المعرفي الإسلامي. وهو مستسلم للمباني القائمة في علم النفس راض بها لا يشعر بما فيها من خلل، ولهذا فهو لا يريد مبارحتها. وكل عمله في التأصيل هو التنقل بين الجزئيات الإسلامية سواء كانت آية أو حديثاً أو قولاً مأثوراً ليختار منها ما يوافق المبنى الذي يسكنه. تماماً كما يفعل أحدنا عندما يذهب إلى متجر أدوات البناء ليشتري لمنزله باباً أو قفلاً أو دهاناً، أترى أحدنا عندما يفعل ذلك يظن أن الباب أو القفل الذي اشتراه هو بديل عن منزله! كلا! بل هو راض عن منزله، وإنما يريد بما اشتراه أن يجعل الحياة فيه أكثر راحة، وكذلك يفعل هذا المؤصل الذي يزين النظرية النفسية الغربية ببعض الآيات والأحاديث والأقوال المأثورة، هو يريد أن يرفع الحرج عن نفسه بإضافة بعض البهارات الإسلامية، أي إنه يريد أن يجعل حياته مع هذه النظرية النفسية الغربية أكثر راحة من خلال الاستشهاد بنص إسلامي في سياق النظرية.
    وربما يقول البعض إنك بهذا ترفض علم النفس القائم، وأقول: كلا، إنني لا أرفض التجارب البشرية التي ثبتت منفعتها والمعارف البشرية التي ثبت صوابها، وإنما أريد أن أبني المبنى الذي يخصني ويفي بحاجتي وفطرتي التي فطرها الله عز وجل، إنني أريد أن أقيم المبنى الذي تتحقق من خلاله العبودية لله عز وجل وأعلن من خلاله هويتي الإسلامية. وهذا المبنى الذي أريد أن أقيمه يسع كل من يريد السلام والطمأنينة حتى لو لم يكن مسلماً، ولكن المباني التي أقامها علم النفس المعاصر لا تتسع لمسلم أبداً.
    ومن عجب أن بعض الطلاب يسأل حينما يتحدث متحدث عن مفهوم إسلامي نفسي قائلاً: ولكن هذا المفهوم يا دكتور خاص بالمسلمين. تأمل كيف أصبح المفهوم الغربي عند هذا الطالب هو القاعدة والأنموذج، والمفهوم الإسلامي هو الاستثناء الذي يحتاج إلى تبرير. وكنت أقول لهؤلاء الطلاب إن المسلم هو مثال الإنسان الكامل، والكامل يتسع لما دونه، بينما ما دونه لا يتسع له. ونحن حينما نتحدث عن مفهوم نفسي إسلامي فنحن نتحدث عن مفهوم متوافق مع الفطرة، والفطرة واحدة في المسلم والكافر إلا أن الكافر سترها بكفره.
    أعود مرة أخرى إلى العلاقة بين الوحي والعلم وأقول: إن التصور المعرفي الإسلامي مكتف بآلياته لا يحتاج إلى تكميل من مناهج بشرية أخرى، والخلل إنما يأتي من الجهل بمنهج المعرفة الإسلامي، فيلجأ إلى سد جهله بما يعرفه من مناهج أرضية ولسان حاله أو مقاله يقول: ?إن أريد إلا إحساناً وتوفيقاً?، ولكن أنى له ذلك.
    وإن مما ينبغي أن تتجه له أنظار المعنيين بالتأصيل الإسلامي من أجل سد هذا الخلل دراسة أدوات المنهج الإسلامي سواء ما يختص منها بالنظر في دلالة النص وهو علم أصول الفقه، أو ما يختص منها بورود النص وهو علم مصطلح الحديث، فيدرك الدارس على الأقل مظان الصحيح والضعيف والموضوع، ويمكن الاستفادة من البرامج الحاسوبية في هذا المجال. وكذلك يدرس المعني بالتأصيل أدوات المنهج الإسلامي في الجمع بين النقل والعقل.
    ثالثاً: النظرية والحقيقة العلمية:
    علم النفس المعاصر يتكون من نظريات، وهي تستند إلى مسلّمات عند أصحابها قد يخالفهم فيها غيرهم، وإلى حقائق يتفق معهم فيها غيرهم. والخلاف في النظرية ممكن لأنها مجرد تفسير للعلاقة بين مجموعة من الظاهرات أو الحقائق، ومَن قَبِلَ مسلّمات النظرية ربما يقبل النظرية ذاتها، وربما اختار نظرية أخرى يرى أنها أقدر على التفسير. أما الخلاف في الحقيقة العلمية فخاطئ حتماً ولا يُعذر فيه من اتضحت له أدلتها. والمسلّمات ربما كانت قضايا افتراضية فتكون مثل النظرية، وربما كانت حقائق علمية فيكون حكمها حكم الحقيقة العلمية. وبعض الدارسين يخلط بين هذه القضايا الثلاث، وتختلط عنده المسلّمة والنظرية بالحقيقة العلمية فيسبغ على الجميع حكماً واحداً هو حكم الحقيقة العلمية. وهذا يفسد أكثر مما يصلح، ويفشل في مشروع التأصيل لأنه يحاول الجمع بين المتناقضات فلا يستطيع. ويبلغ السوء عنده مبلغه والفشل قمته عندما يحاول أن يفسر آيات القرآن ونصوص السنة بنظريات ثبت فشلها وتخلى عنها علم النفس.
    والذي ينبغي لدارسي علم النفس التفرقة بين هذه المفاهيم الثلاثة، وتحقيق القول في الحقائق العلمية، ويتأكد هذا الأمر في حق المعني بالتأصيل لئلا يرد حقاً أو يقرر باطلاً.
    ومفهوم النظرية والحقيقة العلمية ناقشته في جميع فصول الكتاب ما عدا الرابع منها.
    رابعاً: الفطرة:
    مفهوم الفطرة بمثابة حجر الزاوية في التأصيل الإسلامي لعلم النفس، فالعناية به، وتحقيق القول فيه، وجمع ما ورد فيه من نصوص، وموازنته بالدراسات النفسية الحديثة عن الطبيعة النفسية للإنسان، وموازنته بنظريات الشخصية المعاصرة ـ عمل ذلك كله ـ مما يفتح أبواباً مغلقة للتأصيل الإسلامي لعلم النفس.
    دراسة الفطرة يجب أن تتناولها في جانبين: الأول: الجانب الوصفي، فيصف الباحث مكونات الفطرة وطبيعتها ويحقق القول في طبيعتها، وعمدته في ذلك ما ورد من نصوص في القرآن والسنة عنها. والجانب الثاني: الجانب التفاعلي، فيصف الباحث طبيعة تفاعل الفطرة مع أحوال الفرد النفسية، ويصف أيضاً طبيعة التفاعل بين عناصر الفطرة نفسها، وكذلك علاقة الفطرة بحال السواء والانحراف والصحة والمرض.
    ومفهوم الفطرة عندما يتحرر ويتضح للباحثين سوف يكتشفون أنه مفهوم شمولي كاف يفي تفسير السلوك لا يحتاجون معه إلى نظريات أخرى. والحقائق النفسية والمفاهيم النفسية الجزئية كمفهوم التعزيز يمكن أن تشرح شيئاً من طبيعة النفس البشرية، ويمكن أن توضح لنا بعض جوانب الفطرة، ولكن النظريات الشمولية كنظرية التحليل النفسي لا يمكن أن تتواءم مع مفهوم الفطرة، لأن مسلّمات النظرية وأطرها الفلسفية تتعارض مع حقائق الفطرة ومسلّماتها، ولهذا المشتغل بالتأصيل يرتكب خطأ فادحاً إذا حاول أن يجمع بين نظرية شمولية ومفهوم الفطرة.
    ومفهوم الفطرة عالجته في الفصلين الثاني والثالث.
    خامساً: التراث:
    التراث النفسي في الحضارة الإسلامية من حيث هو ما خلفه العلماء في هذه الحضارة من تراث مكتوب عن النفس البشرية مصدر في دراسة النفس، ولكنه ليس معصوماً، وإنما فيه الصواب والخطأ، وفيه ما يتفق مع الإسلام وما يتعارض معه، كالتراث الذي مصدره الفلسفة اليونانية. ولهذا فنحن بحاجة إلى تصور نميز من خلاله التراث المقبول من المردود، وهذا هو ما حاولت تقديمه في الفصل الأخير من هذا الكتاب، حيث قسمت التراث إلى ثلاثة اتجاهات رئيسة هي الأثري والصوفي والفلسفي، ودعوت إلى النظر في التراث من خلال هذه الاتجاهات الثلاثة وليس باعتباره كتلة واحدة. وبينت أن لكل اتجاه من هذه الاتجاهات تصوره عن النفس البشرية ومنهجه في النظر إليها ودراستها.
    والذي أرجوه بعد ذلك هو وضع ضوابط للمقبول من التراث النفسي، إذ ليس من العقل في شيء أن نستبدل الضلال العربي أو الإغريقي بالضلال الأوربي الغربي، فالضلال كله ضلال مهما كان مصدره.
    ومن الضوابط التي يمكن أن تذكر في هذا الصدد مثلاً أن المفاهيم التراثية النفسية تقبل إذا كان مصدرها القرآن والسنة، أو كانت تستند إلى الخبرة والممارسة الطبية. ومن الملاحظ في دراساتنا التراثية الحديثة أن البحث اتجه إلى العناية بالتراث ذي الأصول الفلسفية الإغريقية فقط تقريباً، وأما التراث الذي كان مصدره القرآن والسنة وهو ما نجده عند الاتجاه الأثري كانت العناية به ضعيفة جداً، وكذلك تراث الأطباء النفسي لم يكن له نصيب واف من دراساتنا. والذين درسوا ابن سينا مثلاً درسوا أفكاره الفلسفية ولم يدرسوا ممارساته الطبية النفسية، ويستثنى من ذلك دراسة عبدالفتاح العيسوي (1992) فقد حاول دراسة هذا الجانب المغفول عنه.

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد