مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #122570

    يقدر المرء أن يقاوم الوردة، قبلها،
    ومادام بعيداً عنها، في غفلة الجهل بها.
    لكن ما إن يدخل في حدودها التي تنسجها الرائحة، ما إن يمسّ لونها الطبقات الشفافة من أحداقه، حتى يصير مأسوراً بها، ملكاّ لها. فللوردة هيمنة تضاهي سطوة الحب. فليست الوردة ضرباً من الزهر، لكنها الكائن الحنون أكثر من الطفولة.
    هذه الوريقات الرهيفة التي تتراوح بين انضمام الخجول كأنه يخبئ شيئاً غامضاً، وبوح مسفوح كمن يضاهي المطر في ملامسة الكائنات. هذه الإطلالة الصغيرة على العالم، كم من الطاقة العجائبية تكمن بين تلك الثنايا ومن بين جميع المخلوقات على الإطلاق، ليس سوى الإنسان مرشح لأن يتنازل، بمنتهى العقل الراجح، عن مقاومته ممتزجاً بطبيعة الوردة.
    إنه وحيد خارج مملكة الوردة.
    وما إن يقترب حتى يصاب بموهبة العشق. وبعدها لن تسعفه الأسلحة للخلاص من حال الوردة. وعليه أن يؤمن بمستحيل يليق بأحلام بلا تخوم.
    لكن من يقوى على الذهاب إلى النوم جازماً بالحصانة ضد تلك الأحلام؟
    من يجرأ على الماء دون أن يتميز ببسالة الندى؟
    ها هي الوردة،
    أكثر القلاع رهافة شفافية. تقدر أن تنتصر على صلابة القلب وصلافة العقل في آن. ها هي تلبس للعين قميصاً مشاغباً وللقلب قفطانا من الفطنة، وتبتكر الشكل عند كل التفاتة.
    لا تكاد تغفل عن اللون حتى يهتاج لون آخر كأنه هواء الدم وهو يتدفق في ردهات القلب. وما عليك إلا أن ترقب الوردة وهي تستعرض الفرسان يتبارون أمام شرفتها.
    لا لكي يلعنوا عن الحب،
    لا لكي يستفردوا بالجميلة،
    لكن فقط لئلا يلحظ الآخرون استسلامهم، لئلا يبدو تنازلهم عن المكابرة، أمام الوردة، مهيناً لكبريائهم، كما لو أن لحظة الحب هي ذاتها لحظة الضعف الإنساني الجميل.
    كأن الإنسان لا يريد أن يبدو مدلهاً بعشق الوردة. فهناك من يعتقد بأن البوح بالحب لا يليق بالبطولة. وثمة من يرى في علاقة الوردة هزيمة للقلب والعقل.
    هذه هي الوردة.
    جياشة العاطفة، ضئيلة الهيكل، مفعمة بالعناصر، عارية من الأسلحة، تقدر أن تغلب الشخص الذي يظن أنه قرين الأسطورة،
    سيد الطبيعة، ومحور الكون.
    كيف يتسنى له أن يبدو ممتثلاً لغواية اللون والرائحة مع جرم صغير مثل الوردة. هذا كثير عليه.
    آه، لكن مادامت الوردة هناك، مبذولة للنور والهواء والماء، فإن العاشق سيظل وحيداً بعيداً عنها. كأنه الوحش في البراري.
    من يقدر على أن يقف خارج مملكة الوردة؟
    هذه هزيمته الأخيرة. فبعد أن يجرؤ على الزعم بكونه سليل المجابهات وطليعة المقاتلين، انتهى كل شيء له أمام أجمل مستحيلاته على الإطلاق.
    سوف يبقى له أن يتذكر أنه ذهب إلى أكثر المبارزات غواية، حيث كان الناظر الحزين في زجاجة الرؤيا وجوهرة المراصد، وكان وحده، لا تخذله التخوم والمخيلة. ها هو الآن يتمرغ في براثن غروره وخطاياه.
    كانت الشمس أصغر مطالبه، متواضعاً عندما ظن أنه قرين المستحيلات. ها هو أمام الوردة، والوردة ليست له. أمله الباقي أن تكون.. ليست عليه.
    لكن،
    هل يطيب له حلم يستحيل مثل هذا؟
    مكتوبٌ عليه أن يفعل ذلك، ويؤمن به، فربما كان هذا كافياً وجديراً بوقت قصير من الحياة، هو ما تبقى له.

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد