في يوم داكن ، وفي ليلة باردة مثلجة ، كانت ليلى ابنة التاسعة عشر ربيعا مستلقاة على سرير احادي خشبي رخيص ، في غرفة صغيرة في بيت خرب مهجور ، تتصفح في كتيب تتحدّثْ كلماته عن اشباح وأرواح ، ذلك الكتيب الذي لم تزد كلماته عن عشرين ، امام ناظرها نافذة هاوية ، تسْدل عليها سِِتارة بيضاء خاوية ، نقشت عليها زهور بنفسجية زاهية ، تطل على زقاق حارة خاوية ، ينفذ منها صفير ريح عاتية ، تطالع ليلى في كتيبها العجيب ، أحست بصوت غريب ، اتت لتسترق النظرات ، من شقوق نافذتها العمياء ، من بصيص رعد يتلمظ في العتمة الظلماء ، فلم تجد سوى شجرة يتيمة ، في حفرة متينة ، وسط عتمة بهيمة ، وفي صمت عجيب ، يتخللها صوت الرياح ، ثم عادت لترتاح ، في سريرها المنفرد المطاع ، لتفتح كتيبها العنيد ، لتكمل ما تبقى من صفحات والواح ، ثم احست بالنعاس ، وهي تقرأ في الكتاب ، واذا الكلمات ، تتراقص من بين السطور ، هو بعينه النعاس ، حاولت ان تنام ، تخيل لها من بعيد ، كأن صوت حزين ، مرتجف الأنين ، من وراء الستارة يستجير ، ثم يتحرك الستار ، ابصرت نحو الستار ، واذا بشبح بجناحين يسبح في الظلام ، يناديها بحنين ونبرات ، أن لا تخافي لم اكن من الاشباح ، ثم كشف الستار ، فأذا هي الفتاة ، تسترها أثواب من حرير ازرق كالسماء ، بوجه ملائكي من نور ، بشعر طويل مستديم ، وجسم لا تصفه كلمات ، بعمر لم يناهز العشرين ، دهشت ليلى عندما رأت المقام ، ثم استطردت الفتاة ، ان أنا امك يا ليلى ، حمَّلني ابوك واخويك السلام ، علمتْ ليلى انه اليقين ، تذكرت الحادثة الأليمة ، في انفجار عبوة لئيمة ، فعلة عبدٍ غادرٍ جبان ، انه الانفجار ، قتل ابويها واخويها الصغار ، استعانت بالرحمن ، لتستمع حديث امها عن النعيم ، محلقين بأجنحة زهرية وألوان ، بين الشهداء والابرار ، في فردوس وسرور ، فيها نخل وفاكهة وانهار ، من عسل ولبن واطياب ، اشتاقت ليلى الالتحام ، بركب اهلها الكرام ، مدت يدها لامها للآنظمام ، لم يأتي بعد موعد اللحاق ، ثم مدت يدها للألتحاق ، واذا برنين منبه لايطاق ، لتفيق ليلى من احلى منام ، ليدعوها للصلاة