مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #121771
    تجليآت
    مشارك

    الحمد لله الذي عمنا بنعمه، وغطانا بفضله، وشملنا بستره، وأفاض علينا من رحمته، فهدانا للإيمان، وجعلنا من أمة خير الأنام، محمد الهادي إلى أقوم طريق، ومخرج العباد إلى السعة بعد الضيق، صلى الله عليه وآله وسلم ما تعاقب الجديدان، وما أضاء القمران، صلاة دائمة متصلة إلى يوم الدين…

    أما بعد…

    فإن نعمة الأبناء خير نعمة، فبهم تسعد الروح، وتأنس النفس، ويطمئن البال، فالنظر إليهم سعادة، واللعب معهم سرور، وتقبليهم بهجة، وضمهم فرح، والاستكثار منهم قربة، وتربيتهم دين، نعيم في الصغر، وزاد في الكبر، أمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالاستكثار منهم فقال : (تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم[1])، و قال صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم يوم القيامة[2]).

    ولقد امتن الله على عباده بهذه النعمة العظيمة، وجعلها من آياته الدالة على وحدانيته وتفرده، فقال تعالى : (ومن ءاياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات)النحل 72 وقال تعالى (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير)الشورى50.

    وحفظا لهذه النعمة، وحرصا على أن يقوم الآباء برعايتها حق الرعاية، فإن الشريعة قد سطرت حقوق الطفل قبل أن يتحدث عنه العالم الحديث بألف وأربعمائة سنة.

    وسنتطرق لبعض هذه الحقوق لنستدل على أن الإسلام هو دين الله الكامل الذي لا سعادة للبشر إلا به.

    أولا : حفظ حقوقه قبل ولادته:

    أ‌- تحريم الزنا:

    لقد حرم الله الزنا، وشدد العقوبة عليه، فكان هذا من أكبر أنواع الاهتمام بالطفل وبحقوقه، وهو ما لم يدركه الغرب ومنظروه الذين نسوا أن أول حق يجب أن يتمتع به الطفل، أن يحيا حياة أسرية مكتملة الجوانب، فيها أب حنون وأم رؤوم، لذا فإن الزنا حرام من جهة أنه يحكم على هذا المولود أن يعيش بدون أب يرعاه ويحوطه، وهو ما يطلق عليه اليوم في الغرب بظاهرة: الأم العازب، إذ يتهرب الزاني من كل المسؤوليات التي ترتبت على تلك الشهوة الجنسية، ويرمي كل تلك المسؤوليات على عاتق المرأة المسكينة التي لا تملك خيارا أمام عاطفتها إلا أن تتحمل المسؤولية، وتكد طول حياتها من أجل تربية هذا الطفل ورعايته، فتكون باقترافها لجريمة الزنا، قد حرمت هذا الولد من أكبر حق له في هذه الحياة، حق الأبوة.

    وفي كثير من الأحيان، تتغلب المرأة على عواطفها، وتلفظ هذا الولد، لينتهي به المطاف في دار الحضانة، وينخرط بعد ذلك في سلك الإجرام بعد أن حرم التربية الصحيحة، وسلب أهم حق ضمنه له الإسلام، حق الحياة الأسرية.

    إن وجود اسم يستند إليه الابن في حياته، وإن غيبه موت أو سبب آخر، لهو حاجة فطرية، وضرورة نفسية، لا تستقيم حياة الفرد إلا بها. فلا يمكن لنا أن نربي إنسانا سويا من الناحية النفسية والسلوكية، إلا إذا عاش في كنف أسري، وعرف من هو أبوه ومن هي أمه، وإلا عاش حياته مضطربا، لا يعرف للمباديء قيمة ولا يرى للفضيلة معنى. فارجع البصر في هذه الشريعة السمحة فلن ترى فيها فطورا.

    فإلى كل من ينظّرون لانتهاك الأعراض تحت شعار الحرية الشخصية، إنكم تظلمون الإنسانية، وتغتصبون الطفولة، وتدمرون المنظومة الأسرية،فها هي مجتمعاتكم قد اكتظت باللقطاء، وهاهي سجونكم تعاني من كثرة السجناء، بعد أن أخطأتم الطريق، وضللتم عن القصد، (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا[3]).

    ب‌- اختيار الزوجة:

    لم يترك الشرع الباب مفتوحا للمسلم أن يتزوج من يشاء، لأن الأمر لا يتعلق به هو فحسب، بل إن للأبناء حقا في هذه المرأة التي ستعيش معهم حياتهم منذ أول استهلالة، وسيرضعون من لبنها، وينهلون من حبها، ويرتوون من خلقها، فهي بالنسبة إليهم القدوة الأولى والمثل العالي.

    لذا فقد حرم الشرع على المسلم أن يتزوج الزانية وحرم عليه أن يتزوج الملحدة أو الوثنية، وحرم عليه أن يتزوج الحمقاء التي قد تضر بولده، فقال تعالى (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) النور3، أخرج الترمذي وغيره أن رجلا يقال له مرثد بن أبي مرثد كان يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق وكانت صديقة له، وإنه كان وعد رجلا من أسارى مكة يحمله قال فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة قال فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط فلما انتهت إلي عرفته فقالت مرثد فقلت مرثد فقالت مرحبا وأهلا هلم فبت عندنا الليلة قال قلت يا عناق حرم الله الزنا قالت يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم قال فتبعني ثمانية وسلكت الخندمة فانتهيت إلى كهف أو غار فدخلت فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا فظل بولهم على رأسي وأعماهم الله عني قال ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر ففككت عنه كبله فجعلت أحمله ويعييني حتى قدمت المدينة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أنكح عناقا فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد علي شيئا حتى نزلت {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين}فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا مرثد { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك }فلا تنكحها.[1]

    وفي المقابل حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تزوج ذات الدين، ورغب في ذلك، لما في هذا من حفظ حقوق الطفل وضمان حصوله على التربية المناسبة ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)[2]. وقال صلى الله عليه: (تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم)[3].

    ثانيا: حفظ حقوقه وهو جنين:

    أ‌- حق الجنين في الحياة:

    لقد عظم الشرع الإنسان وكرمه، وعظم هذه الروح التي يحملها بين جنبيه، فمتى ما نفخ في الجنين الروح فإن قتله يعتبر جريمة، وإزهاق نفسه يترتب عليه دية.

    ففي البخاري وغيره عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في امرأتين من هذيل اقتتلتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصاب بطنها وهي حامل فقتلت ولدها الذي في بطنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى أن دية ما في بطنها غرة عبد أو أمة، فقال ولي المرأة التي غرمت: كيف أغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هذا من إخوان الكهان.

    وقد نهى الشرع أشد النهي عما كان يفعله أهل الجاهلية من قتل أولادهم خشية إملاق، فقال تعالى : (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم) الإسراء31، ونظير هذا ما يفعله بعض ضعاف الإيمان من المسلمين، ممن يمنعون أنفسهم من الأبناء، ويقومون بتحديد النسل، نسيانا منهم أن الله هو الرزاق، وخشية على أنفسهم وأولادهم من الفقر، وهذا من أشد الجهل بالله، وهو ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين سأله عبد الله بن مسعود عن أعظم الذنب فقال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك قال قلت : إن ذلك لعظيم ، ثم أي : قال أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك[4]. فالدافع واحد وإن اختلفت الصورة.

    ب‌- رعاية الحامل:

    إن من اهتمام الشريعة بالجنين أن اهتمت بموضوع النفقة على أمه التي تحمله بين أحشاءها، فأمر الأب بالإنفاق عليها بغض النظر عن طبيعة العلاقة بينه وبين زوجته، أي سواء أكانت ما زالت زوجته، أم أنها طلقت منه، فقال تعالى : (فإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن[4]).

    ولم تكتف الآية بموضوع النفقة، بل تعرضت لشيء أعمق من ذلك، وهو شيء نادر في حال الطلاق والشقاق، ألا وهو التعامل بالمعروف، فعقب تعالى بقوله : (وأتمروا بينكم بمعروف).

    وكأن هذا إشارة إلى الاهتمام بنفسية الزوجة في حال الحمل، خصوصا في حال عدم استمرار العلاقة.

    ومن اهتمام الشرع بالجنين أن خص الحامل بأحكام، واستثناها من كثير من التكاليف التي قد تؤثر على صحة جنينها، فرخص لها في الإفطار إن كان الصوم يضعف من قوتها، بل أجّل الشرع تنفيذ الحدود عليها في حال الحمل، حتى تضع حملها، فلا يقع القصاص أو غيره من الحدود على الحامل لئلا تؤاخذ نفس بريئة بجريرة غيرها.

    جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت يا رسول الله لمَ تردني لعلك أن تردني كما رددت ماعزا، فو الله إني لحبلى، قال إما لا، فاذهبي حتى تلدي فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت هذا قد ولدته، قال اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها[5].

    فلم يطبق شرع الله في هذه المرأة التي وجب عليها الحد، رعاية لحق هذا الجنين وهذا الرضيع الذي لم يقترف ذنبا، ولم يشارك في جريمة.

    ج- حفظ حقوقه المالية والمعنوية:

    فلا يقسم الإرث إلا بعد خروج الجنين، ومعرفة إن كان ذكرا أو أنثى، فهو وإن كان حملا في بطن أمه فإن الشريعة تحفظ له حقه في مال مورثه، وهذا من الحقوق العظيمة التي راعتها الشريعة لجنين لا يملك من أمره شيئا.

    كما أن من الحقوق المعنوية التي راعتها الشريعة الإسلامية للجنين، حقه في القصاص من قاتل أبيه أو أمه أو أحد عصبته، فإنه ينتظر به إلى أن يكبر ويبلغ الحلم، ويدرك الأمور، ليأخذ بثأره، فيُسجن القاتل وينتظر الجميع، وتبقى الأنظار كلها معلقة على هذا الطفل الصغير، ولا يسلبه أحد حقه في تقرير مصير قاتل أبيه. (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[5])

    ——————————————————————————–

    [1] ) الشافعي رحمه الله بلاغا عن ابن عمر رضي الله عنهما.

    [2] ) ابن حبان وصححه ابن حجر من حديث أنس رضي الله عنه.

    [3] ) النساء:82.

    [4] ) الطلاق:6.

    [5] ) المائدة:3.

    ——————————————————————————–

    [1] أخرجه الترمذي وقال الألباني حسن صحيح انظر سنن أبي داود 2/220

    [2] صحيح البخاري باب الأكفاء في الدين

    [3] ابن ماجة 1968 والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه

    [4] صحيح البخاري باب قتل الولد خشية أن يأكل معه 5542

    [5] صحيح مسلم باب من اعترف على نفسه بالزنا

    #1382606
    تجليآت
    مشارك

    ثالثا: حفظ حقه بعد ولادته:

    أ‌- التسمية:

    إن الاسم الحسن علامة جميلة تميز الرجل طول حياته، كما إن الاسم السيء وصمة عار تلصق بالإنسان حتى بعد وفاته، فقد كانت قبيلة من العرب تستحيي من اسمها الذي لصق بجدهم الذي ينتسبون إليه، فكانوا يسمون أنف الناقة.

    وما زالوا يستحيون من ذلك حتى قال الشاعر:

    قوم هم الأنف والأذناب غيرهم…ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا.

    فتغير الحال وأصبح فخرا لهم بعد أن كان وصمة عار عليهم.

    وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب الاسم الحسن ويستبشر به، وعندما جاء سهيل بن عمرو ليفاوض الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رآه : سهل أمركم. وهذا من الفأل الحسن الذي كان يحبه عليه الصلاة والسلام.

    وعن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ما اسمك قال حزن قال أنت سهل قال لا السهل يوطأ ويمتهن قال سعيد فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة. قال أبو داود: وغيّر النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم وغراب وحباب وشهاب فسماه هشاما وسمى حربا سلما وسمى المضطجع المنبعث وأرضا تسمى عفرة سماها خضرة وشعب الضلالة سماه شعب الهدى وبنو الزنية سماهم بني الرشدة وسمى بني مغوية بني رشدة.[1]

    وعن يحيى بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للقحة تحلب من يحلب هذه؟ فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك فقال له الرجل مرة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس، ثم قال من يحلب هذه، فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما اسمك فقال حرب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس، ثم قال من يحلب هذه فقام رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك، فقال يعيش فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم احلب.[2]

    وسأل عمر بن الخطاب رجلا فقال ما اسمك؟ قال جمرة. قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب. قال ممن؟ قال: من الحرقة. قال: أين مسكنك؟ قال: بحرة النار. قال: بأيتها؟ قال: بذات لظى.

    قال عمر: أدرك أهلك فقد هلكوا أو احترقوا، فكان كما قال عمر[3]

    إن الشريعة الإسلامية قد راعت جوانب كثيرة في مسألة حقوق الطفل، فأكدت على الجوانب النفسية والروحية والمادية، لتبني بذلك صرحا مجيدا لا يضاهى في حفظ حقوق الطفل، وكيف لا وهي شريعة القسط التي قال الله عنها : (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)الحديد 25.

    لذا فقد أمر الشرع باختيار الاسم الحسن للولد، وجعل هذا من حقوقه على والديه، ورغب في بعض الأسماء، فكان أحب اسمين إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن، لما تضمناه من معنى العبودية التي هي سبب خلق الإنسان.

    قال ابن القيم رحمه الله : (ولما كان الاسم مقتضيا لمسماه ومؤثرا فيه كان أحب الأسماء إلى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه كعبد الله وعبد الرحمن وكان إضافة العبودية إلى اسم الله واسم الرحمن أحب إليه من إضافتها إلى غيرهما ، كالقاهر والقادر فعبد الرحمن أحب إليه من عبد القادر وعبد الله أحب إليه من عبد ربه وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هو العبودية المحضة والتعلق الذي بين الله وبين العبد بالرحمة المحضة فبرحمته كان وجوده وكمال وجوده والغاية التي أوجده لأجلها أن يتأله له وحده محبة وخوفا ، ورجاء وإجلالا وتعظيما ، فيكون عبدا لله وقد عبده لما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل أن تكون لغيره ولما غلبت رحمته غضبه وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب كان عبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر)[4]

    ب‌- العقيقة: لقد جعل الشرع الكريم العقيقة دليلا على الفرح بالمولود، ملغيا بذلك ما كان عليه أهل الجاهلية من تشاؤم بالأنثى، حتى إن أحدهم ليتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، فجعلت الشريعة من حق المولود عقيقة تذبح عنه يوم سابعه، بالإضافة إلى حلق شعره وختانه إن كان ذكرا، شاتين عن الذكر وشاة عن الأنثى.

    قال صلى الله عليه وآله وسلم : الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع ويسمى ويحلق رأسه)[5]

    وقال : (عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة)[6]

    ت‌- حق الرضاعة : قال تعالى : (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) البقرة 233.

    فأمر المرأة بالرضاع، وأمر الزوج بالإنفاق، والنتيجة، أن يحظى الطفل بحقه في الرضاع.

    ث‌- حق الحضانة: فهو حق أساسي لا يزول عن الطفل مهما كانت الظروف، فتنتقل هذه المسؤولية في عصبته على الترتيب المذكور في الفقه، ولا تسقط عن شخص إلا وانتقلت إلى شخص آخر حتى لا يبقى هذا الولد من غير حضانة ورعاية.

    وأولى النساء بحضانة الطفل أمه سواء أكانت تحت أبيه أم فارقته.

    فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني. فقال رسول الله أنت أحق به ما لم تنكحي[1]. بل حرم الشرع التفريق بين الأمة وابنها روى مالك عن نافع عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( أيما وليدة ولدت من سيدها فإنه لا يبيعها ولا يهبها ولا يورثها وهو يستمتع منها فإذا مات فهي حرة)[7]

    وقد اتفقت المذاهب الثلاثة: الحنفية، والشافعية، والحنابلة على تقديم

    الأم، ثم أمها، ثم أم الأب، ثم الأخوات، ثم الخالات، ويقدم الحنابلة بعد

    ذلك العمة، بينما يقدم الحنفية والشافعية بنات الأخوة والأخوات على

    العمات، ويتفق المالكية مع بقية المذاهب على تقديم الأم ثم أمها،ولكنهم

    يقدمون الخالة على الجدة وعلى الأخوات، كما يقدمون العمات على بنات

    الأخوة والأخوات. كل هذا حفظا لحق الطفل وتأمينا لحاضنة تشفق عليه، وتنتمي بصلة القرابة إليه.

    ج‌- التربية: إن مسؤولية الأب الأولى تجاه ولده، أن يقيه نارا وقودها الناس والحجارة، قال تعالى : (يأيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) التحريم 6.

    ولقد أناط الله هذه المسؤولية بالأب وسيسأله عنها يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته)[8]

    إن هدف الأب أن يجعل ابنه ناجحا في حياته، لكن كثيرا من الآباء يقصرون نظرتهم للنجاح في هذه الحياة، متناسين أن ابنهم سيحيى حياتين، وأن عليه أن ينجح نجاحين، فتجد الأهل مهتمين بالدراسة والاختبارات أشد من اهتمامهم بالصلاة، فتجد الأسرة كلها تهتز والحزن يعم إذا رسب في الاختبار، بينما يقابل ببرود إن فرط في الصلاة، هذا إن سئل عن الصلاة أصلا…

    من هنا يظهر سوء الفهم وسوء الإدراك ، عند كثير من الآباء لمسؤوليتهم تجاه أبناءهم.

    لقد كلف الله الآباء بأن يأمروا أهلهم وأبناءهم بالصلاة ويصطبروا على ذلك، قال تعالى : (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) طه 132. والأمر بالصلاة يشمل كل أنواع التربية على الخير والمعروف، فهذا تنبيه على الأدنى بذكر الأعلى، ثم انتقل الخطاب في الآية إلى الحديث عن موضوع الرزق فقال تعالى (لا نسألك رزقا نحن نرزقك) وقد لا يظهر ارتباط بين مسألة الرزق ومسألة الأمر بالصلاة، لكن هذا فيه تنبيه لطيف إلى أن الناس يهتمون بأمر الرزق الذي ضمنه الله لهذا الولد قبل أن يولد بخمسين ألف سنة، وجفت بذلك الأقلام، حتى يكون ذلك سببا يشغلهم عن الأمر بالصلاة الذي يشمل كل معاني التربية الحسنة، فوجهت الآية الأب إلى أن يجعل اهتمامه منصبا على التربية ويترك الرزق على من لا يخلف وعده : (نحن نرزقك والعاقبة للتقوى) طه 132.

    ح‌- النفقة: لقد أوجبت الشريعة الإسلامية على الأب أن ينفق على أبنائه، ورتبت على ذلك ثوابا عظيما.

    قال تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك) البقرة 233.

    وقد حذر الشرع من تضييع المرء لمن يعولهم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت)[9]. ولما اشتكت هند بنت عتبة رضي الله عنها شح زوجها أبي سفيان أمرها أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي أبناءها فقال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)[10]

    وتتضمن نفقة الأطفال كل ما هو ضروري من سكن ورضاع وطعام

    وشراب وكسوة، وعلاج، ومواصلات، وتعليم، ويكون الإنفاق عليهم واجبا إلى أن يتمكنوا من أن يعولوا أنفسهم.

    خ‌- حق المعاملة الحسنة والعدل:

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قَّبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: من لا يرحم لا يرحم)[11]

    وعن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكل فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : (إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار)[12]

    وأكد الشرع على العدل بين الأبناء حفاظا على نفسياتهم وِإبقاء على ودهم وأخوتهم.

    عن النعمان بن بشير رضي الله عنهم قال: تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا. قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي فرد تلك الصدقة.[13]

    إن الناظر في شمولية الشريعة لا يسعه إلا أن يعلنها صريحة : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا[2])

    فإلى كل العالم نقدم هذا الدستور الإلهي العظيم الذي يبهر العقول، ويسعد القلوب، فليس للعالم نجاة أو سعادة إلا بهذا الشرع المعصوم، وهذا الكتاب العظيم الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد[3])

    ——————————————————————————–

    [1] ) أبو داوود(2276 ) وحسنه الألباني رحمه الله.

    [2] ) المائدة:6

    [3] ) فصلت:42.

    ——————————————————————————–

    [1] صحح الألباني الرواية في سنن أبي داود 4/289

    [2] الموطأ باب ما يكره من الأسماء.

    [3] الموطأ باب ما يكره من الأسماء.

    [4] زاد المعاد 2/312

    [5] الترمذي باب العقيقة بشاة

    [6] النسائي (4216)

    [7] موطأ مالك (798)

    [8] صحيح البخاري باب الجمعة في القرى والمدن.

    [9] مسند أحمد 6459

    [10] البخاري 4758

    [11] البخاري 8651

    [12] مسلم 2630

    [13] مسلم 3055

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد