بعد مضي نحو قرن من الزمان بحثا عن أدلة تؤكد أو تنفي إمكانية انتقال مرض السرطان من الأم لجنينها، أثبت علماء بريطانيون أن الجنين قد يرث السرطان من أمه الحامل فيه، مستشهدين بسبع عشرة حالة انتقلت فيها خلايا سرطانية عبر المشيمة من الأم الحامل إلى الجنين المستقر في رحمها.

من الناحية النظرية فإن النظم المناعية للجنين غالبا ما تنجح في اعتراض الإصابة بالسرطان؛ إذ إن أي خلية سرطانية تحاول العبور من الأم عبر المشيمة إلى تيار الدم بالدورة الدموية للجنين فإنها سوف تصبح هدفا ينبغي تدميره من قبل النظام المناعي للطفل.

وقد عكف فريق من معهد بحوث السرطان البريطاني على دراسة سجلات سبع عشرة حالة لأمهات وأطفال لديهم نفس الخلايا السرطانية لاسيما سرطاني الدم والجلد، فتوصل إلى أدلة ثابتة حول إمكانية انتقال المرض من الأم للجنين.

ونشرت نتائج البحث البريطاني كاملة في دفتر أحوال الأكاديمية (البريطانية) الوطنية للعلوم، وفق ما ذكرت دورية نيتشر العلمية ذائعة السمعة الإثنين في 12 -9-2009.

وركزت الأبحاث على حالة لأم يابانية ووليدتها مصابين بالسرطان؛ نظرا لمشاركة الأم والجنين نفس نوع المرض الخبيث، وللأسف فإن الأم ذات الـ 28 عاما تم تشخيص حالتها بسرطان الدم (اللوكيميا) بعد قليل من الوضع، ثم اكتشف أن ابنتها ذات الـ 11 شهرًا لديها ذات المرض.

شديدة الندرة وبالغ الاستثناء

وتفسيرًا لذلك، قال رئيس الفريق البحثي الأستاذ الدكتور ميل جريفز يبدو من هذه (الحالة)، ونفترض، في حالات أخرى، أن خلايا سرطانية من الأم انتقلت لذريتها عبر المشيمة إلى الجنين الذي ينمو في أحشائها، ونجحت في زراعة نفسها (في الجنين)؛ لأنها كانت غير مرئية (عصية على الكشف) بالنسبة لنظام مناعته.

وفي محاولة لتقليل المخاوف أو الهلع الذي قد يصيب الآباء جراء الإعلان عن نتائج البحث، ضغط جريفز على كلماته وهو يخفف من وقع الخبر، وقال: نحن سعداء لأننا استطعنا كشف هذا اللغز الذي طالما استعصى على الحل، ولكننا نؤكد أن انتقال خلايا سرطانية من الأم لجنينها حالة شديدة الندرة، وأن فرص أي امرأة حامل مصابة بالسرطان في أن تنقله لجنينها جد بعيدة.

وهو نفس المذهب الذي ذهب إليه البروفيسور بيتر جونسون عندما أكد أن انتقال السرطان من أم لجنينها شديد التفرد والاستثناء.

وقال جونسون وهو رئيس الأطباء بالمعهد البريطاني الخيري لبحوث السرطان: هذا بحث بالغ الأهمية، وهو إضافة للأدلة التي تؤكد حاجة السرطان أن يتفادى النظام المناعي للجنين قبل أن يستقر بجسده وينمو، وهو ما يعطي الأمل بأن انتباه النظام الدفاعي لمريض السرطان قد يكون بوابتنا لطرق جديدة في علاجه.

الطريق للدليل والبرهان

وقد استخدم الباحثون تقنية متقدمة للكشف عن بصمات جينية في حالة الأم اليابانية ووليدها، أمكن من خلالها إثبات أن خلايا اللوكيميا التي وجدوها في الجنين كان منشؤها الأم.

وقد استخدم الباحثون أساليب متقدمة لتحليل السمات الجينية لإثبات انتقال الخلايا السرطانية لدى الطفل المصاب بسرطان الدم قدمت في الأصل من الأم.

وأسفرت هذه التقنية عن أن كلا المريضين (الأم والجنين) بسرطان الدم لديهما نفس الجين المتحور المسبب للإصابة بالسرطان.

بعد ذلك حاول الباحثون الكشف عن الكيفية التي استطاعت الخلايا السرطانية تحييد النظام الدفاعي للجنين، ووجدوا أن تلك الخلايا كان ينقصها بعض الأحماض النووية؛ الأمر الذي أدى دورا حاسما في إكساب هذا الجين سمته الجزيئية المميزة الخاصة به.

وبسبب افتقار الجين للسمة الجزيئية المطابقة تمامًا للأم، لم يمكن للنظام المناعي للجنين أن يدرك أن تلك الخلايا أجنبية غازية؛ وبالتالي لم يتحرك لمهاجمتها وتدميرها.