مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #11292
    البسيوي
    مشارك

    * الكتاب: مقال في الرواية

    * الكاتب: يوسف سامي اليوسف

    * الناشر: دار كنعان ـ دمشق ـ 2002

    * كاتب سوري

    يقول الناقد يوسف سامي اليوسف، إن كبرى غايات مقاله الراهن في الرواية، هي إلقاء نظرة ذات محمولات معيارية أو تقويمية على حركة الرواية في بعض أقطار أوروبا حصراً. وإن هذه النظرة المعيارية تستهدف البلوغ إلى مفهوم للرواية ناصع القسمات، ويتلخص في أن الحميم هو المحتوى الجوهري للرواية، أو بعبارة أخرى، إن على النص الروائي ان يخاطب وجدان الإنسان، أو ضميره. أما النقد الأدبي الذي يؤمن به ـ وسوف يمارسه كما سنرى ـ فهو نقد مزاجي «قل كل يعمل على شاكلته»، وما يلبث أن يفصل أكثر من هذا في تحديد معايير الرواية فيرى أن الحميم يظهر في أربعة منها هي، أولا: شعورك بأنك في حضرة روح متفوق، وثانيا: رغبتك في العودة إلى النص بين الفينة والأخرى، ثالثا: رسوخ فحوى النص في الذاكرة بعد مرور عشرات السنين، رابعا: انتشار النص في الزمان والمكان. وباختصار فإن نصاً أدبياً لا تندرج فيه طاقة كافية لتحريض الشعور بالسمو هو إنجاز لا يتمتع إلا بقيمة ثانوية وحسب.

    قد لا يختلف القارئ كثيراً مع المعايير التي يحددها الناقد اليوسف للرواية، سوى أن تطبيقاته كما سنرى، تميل إلى الأخذ بمبدأ المزاج أولا دون مراعاة المعايير الأربعة الآنفة من جهة، ودون تقدير مزاج الآخر: الناقد أو القارئ.

    فحين يتابع إنجازات الرواية الإنجليزية يقرر أن روايات «دكنز» (سوف نلتزم بطريقته في رسم الأسماء الأجنبية) تتميز بكثافة الأحداث وقوة حضور الشخصيات، هذا فضلا عن أن وراءها خيالاً، ولولا خوف من التطرف لزعمت ـ يقول الناقد ـ ان الرواية فن ابتكره دكنز قبل سواه من الكتاب في العالم، لكن دكنز يعاني من مثالب على المستوى الفني هي عجزه عن إنجاز حبكة متراصة، واسرافه في العاطفة. أما (توماس هاردي) فهو إلى جانب (هنري جيمز) آخر عمالقة الرواية وقد كان شاعراً مرهف الحساسية وشديد القدرة على التصوير.

    ويرى الناقد أن الرواية الروسية توهجت حينما أخذ دستويفسكي (عملاق الرواية في العالم كله) ينتج رواياته، وهو في رأيه (شكسبير الرواية) وسبب نجاحه النادر هو أنه محزون من أجل الجنس البشري، الذي لا يراه إلا جنساً شقياً يجهل السعادة، ولا أمل له في الخروج من جحيمه. أما تولستوي فإن العنصر الأول لمزيته هو التحام بصيرته الخيالية بغريزته الأخلاقية، ومع أن (الحرب والسلام) تدور على الحرب فإنها تنم عن ميل نصف مكتوم لمناهضة الحرب، وبالطبع فإن كلا الروائيين الروسيين أعظم من هاردي وجيمز، غير أنه يرى أن غوركي وشو لدخوف لا يمتلكان هذا المستوى الرفيع و(الدون الهادئ) وهو نص فضفاض وغير متماسك برصانة ومتانة.

    أما الرواية الفرنسية، فإن رواية (الأحمر والأسود) لستندال (وهي رواية مجدها النقاد الغربيون) لا تتمتع بقيمة كبيرة، والسبب أنها مبنية على حبكة ساذجة فاترة. ويفضل (اوجيني غرامده) لبلزاك عليها، لأن (اوجيني) بطلة الرواية فتاة تبحث عن الحب الجشع والبخل وعبادة الذهب، لكن (الأب غوريو)، وهي من أشهر روايات بلزاك، لا تزيد عن كونها نقداً لمجتمع فاسد إنسانه لا يعبد شيئاً سوى المال، مما يعني افتقارها إلى مقومات المزية، وأصول التفوق. وليس من الافتئات على الحقيقة في شيء ـ كما يقول الناقد ـ أن يقال ان شخصية (إما بوفاري) بطلة رواية (مدام بوفاري) لفلوبير مصطنعة بعض الشيء، أما (التربية العاطفية) للروائي ذاته فمن شأنها أن تؤكد أن الأدب الفرنسي هو أقدر الآداب على ممارسة الثرثرة، والطريف أنه لا يضاهيه في هذه المثلبة (أو ربما قد لا يبزه) أدب آخر سوى الأدب العربي الحديث، كما يقرر الناقد اليوسف. وعلى الرغم من أنه يجد أن رواية (البؤساء) لهوغو واحدة من نخبة الروايات التي كتبها الجنس البشري كله، فإنها لا تخلو ـ في رأيه ـ من اصطناع وتكلف. وسوف يوغل (اميل زولا) في الاصطناع، والتكلف، حتى ليبدو كواحد من الفلاسفة الجبريين في مذهبه الطبيعي. وفي القرن العشرين يذم روايات سارتر بلا استثناء لأنها تكابد أوهاناً قاتلة أهمها ضعف البنية ورخاوة الشخصيات أو ضحالتها، وافتقار شرايينها. أما مورياك فهو يمارس فن السرد لا فن الرواية! في حين أن روايات (البير كامو) لا تملك بنية روائية، ورواية (الطاعون) تخارج باهت لذهن مستنزف عقيم. اما الرواية الجديدة فتؤكد أن الاتضاع كثيرا ما يحاول أن يوهم الناس بأنه التقدم أو أنه الإبداع.

    ويخرج الناقد عن غاياته الحصرية باقتصار مقالته على الرواية الأوروبية ليفرد فصلا خاصا بالرواية الأميركية. فيقول ان حركة هذه الرواية في بداية القرن العشرين أقرب إلى الزيف والخواء منها إلى الأصالة والامتلاء، والسبب أن المجتمع الذي انتجها كيان متخشب، أو متليف الأنسجة ولدى (فوكنر) مثلا مناخ سديمي، وقدرية متطرفة وأبدية للزمن الماضي. وتهشيم للتسلسل المنطقي للزمن، وتوثين للشكل متطرف لا لزوم له، ولا يكتب (ارسكين لولدول) إلا مقالات يمكن لكاتب صحفي أن ينجزها، أما (همنغواي) فأسلوبه صحافي لحائي مباشر لا يتمتع بالحد الأدنى من قوة الجذب.

    وفي إطلالة سريعة على (أزمة القرن العشرين) يهجو الناقد كلا من (توماس مان) و(غونتر غراس) و(مارسيل بروست) و(جيمس جويس) بينما يحظى (د. هـ. لورنس) بمديح وإطراء واضحين، إذ يقنعنا بذوقه المتميز، وشفافيته الشديدة القدرة، وحساسيته.

    ولا يتردد الناقد في إطلاق تحفظه تجاه الرواية في أميركا اللاتينية ويقول إن (مائة عام من العزلة) ليست إلا بنية مصطنعة خالية من القدرة على استقصاء الحياة الباطنية، أما (الحب في زمن الكوليرا) فهي نص مثلوب بإفراط في اتخاذ الجنس والشبق محورا لبنيته العامة.

    وتحظى الرواية العربية بتعريج سريع يقول فيه إنها لا ترقى إلى أي مستوى من شأنه أن يضارع مستوى الرواية الأوروبية، وهي قلما تنجح في صياغة الشخصيات الكثيفة أو المركبة، ويختار (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ ليقول إنها بعيدة عن أن تكون ذات قيمة أدبية، ثم يتطرق أكثر فيقرر أو يزعم بأن روايات محفوظ كلها أو جلّها لا تملك أن تقنع المرء بأنها إنجازات فنية ذات شأن كبير، لأنها قريبة المنال بل ساذجة.

    قدمنا عرضاً مكثفاً لكتاب الناقد، ولم نناقش أفكاره، إذ من الصعب على أي قارئ أن يدخل في حوار مع طريقة في الكتابة تقرر النتائج من خلال الصياغات اللغوية الجاهزة المستمدة من لغة ترفض الحوار وتطالب بالانصياع وحده. فلا تكاد تنجو فقرة من فقرات الكاتب من أن تبدأ بجملة يقينية من مثل: فمما هو ناصح، ومما لن يفوت ذوي الألباب أو أهل الحصافة، ويقيناً، ولا مرية، ولا افتئات على الحق، وفي الحق.. الخ، كما يتبع بعض استنتاجاته بمصادرات تقريرية حاسمة، ومنها: ان أولاد حارتنا بعيدة عن أن تكون ذات قيمة أدبية: «في نظر من له أدنى خبرة بفن الرواية وفي نظر الذواقة الحساس»، أو «ليس من شأن أي ذواقة للآداب أن يسوغ رواية (يوليسيس) أو «مائة عام من العزلة» أو: «كما أن صاحب الذوق المعافى لن يرى لرواية (الحرافيش) أو (إمام العرش) أية صلة بالفن الروائي»، وليس للقارئ إلا أن يعجب حين يقرأ رأيه في موضوع الهوية، إذ يرى أنها «تبدأ من التضاد مع الآخر، وهي بهذا الموقف الاستعلائي قد تتمكن من صياغة مرجعية روحية جديدة، لكنها مغايرة لهوية الأغيار، ومتناقضة معها في الصميم».

    نقد: ممدوح عزام

    عن جريدة الشرق الأوسط

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد