الرئيسية منتديات مجلس الفقه والإيمان كيف السّبيل إلى العفاف

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #112676
    maarmaar11
    مشارك

    كيف السّبيل إلى العفاف

    لفضيلة الشيخ:

    عبد الحليم توميات / إمام خطيب مسجد عمر بن الخطاب – الجزائر العاصمة

    إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، الحمد لله الّذي أسكن عباده هذه الدّار، وجعلها لهم منزلةَ سفرٍ من الأسفار، وجعل الدار الآخرة هي دار القرار، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، الملك الواحد القهّار، سبقت رحمتُه غضبَه وهو الرّحيم الغفّار، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، وصفيّه وخليله، النبيّ المختار، اللهمّ صلّ عليه وسلّم وبارك صلاة وسلاما يتجدّدان بالعشيّ والإبكار
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحـزاب]..
    ألا إنّ أصدق الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدى هدى محمّد صلى الله عليه وسلم ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار، أمّا بعد:
    فقد تناولنا في لقائنا الأخير الحديث عن خلق كريم، وأدب عظيم، يعدّ تاجا على رؤوس الرّجال، وحلية من حليّ أهل الإيمان، ألا وهو العفّة والعفاف، وأنّه في هذه الأيّام هو من أهمّ ما يذكّر به المؤمنون والمؤمنات، ليقبضوا عليه ويستمسكوا بغرزه إلى الممات.
    وذكرنا لكم أنّ أسباب الحديث عنه كثيرة، وأهمّها أربعة :
    – انتشار الشّهوات والمغريات : فترى الفتنة قد تزيّنت لأكثر النّاس فنادتهم من مكان بعيد، فأقبلوا عليها إقبال العبيد .. وحال العقلاء من أهل الإيمان يصرخ فيهم:( أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) [هود: من الآية78] ..
    – عظم فتنة النّساء: فمظاهر العشق والزّنا بأنواعه قد أذهلت العقول، وصهرت أفئدة الرّجال الفحول، وتلاشى معها إيمان كثير من المسلمين، وصرفت عن البرّ والتّقوى قلوبَ آخرين كثيرين …
    – ضياع المفاهيم الصّحيحة وانتشار المفاهيم الخاطئة . وهذا السّبب خاصّ بأهل الدّين والاستقامة، الّذين تساهلوا في هذا الأمر، حتّى صار الفتى يراسل الفتاة، والرّجل يكلّم المرأة، ويكتفي بعضهم بمجرّد الخِطبة أو العقد الشّرعيّ فيُجِيزُ الخروجَ معها، ولمسَها، والخلوة بها. وكلّ هذا ممّا ينشر مظاهر العشق ومناظر العلاقات غير الشّرعيّة.
    – كي نعود إلى رشدنا ونستيقظ من غفلتنا : فليس العيب في الخطأ، ولكنّ العيب في الإصرار عليه .. ليس الجرم في مجرّد الذّنب، ولكنّ الجرم في البقاء عليه.
    ثم رأينا معنى العِفّة وأنّها: الكَفُّ عما لا يَحِلّ، والابتعاد عن الـحرام.
    ثمّ شرعنا في بيان فضائلها، وذلك لأنّ المسلم إذا علم الخير الّذي عليه ثبت ثبات الجبال، وإذا تذكّر ما أعدّه له الكريم الوهّاب من النّعيم وجزيل الثّواب، هان عليه الأمر، استأنس بما يعلمه من الأجر. رأينا أنّ العفّة:
    – من خصال أصحاب الشّرف والمروءة. وشعار الرّجال قول ابن عمر رضي الله عنه: نَحْنُ مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَعُدُّ العَفَافَ وَإِصْلاَحَ المَالِ المُرُوءَةَ .
    – أنّها من خصال أهل الإيمان، ويعدّ أهل العفاف أحبّ خلق الرّحمن، قال قتادة: إنّ الله خلق الملائكة بعقل ولا شهوة لهم، وخلق البهائم بشهوة ولا عقل لهم، فمن غلب عقله شهوته زاحم الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله زاحم البهائم .
    – أنّها من أسباب الفوز بظلّ الله يوم القيامة.
    – أنّها من أعظم مقامات الصّبر. وقد أخبرنا النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّنا نعيش (( .. أَيَّامًا: الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ )).
    – أنّ أهل العفّة يستحقّون العون من الله.
    – أنّ العفّة حصن حصين وحرز متين.
    – أنّها من أسباب سعادة المرء، و أنّ العفاف مفتاح كلّ خير، وأنّ العشق والزّنا باب لكلّ شرّ. فأهل الطّاعة بطاعتهم أسعد وأشدّ سرورا من أهل المعصية واللّهو بلهوهم، وكما قال بعض السّلف: والله للذّة العفّة أعظم من لذّة الذّنب .
    فإن قيل: فما السّبيل إلى العفاف ؟ فهذا ما سنتناوله عن شاء الله في خطبتنا هذه، نسال الله التّوفيق والسّداد، والهدى والرّشاد، إنّه أكرم مسؤول، وأعظم مأمول.
    فاعلموا أنّ الله إذا أمر بطاعة يسّر جميع أسبابها، وإذا نهى عن معصية سدّ جميع أبوابها، فما على المسلم التقيّ النّقيّ إلاّ أن يستجيب لأمر الله العزيز الوهّاب، ويتّخذ جميع الأسباب، وينفض عن نفسه غبار الوهن والكسل صور ، ومن جدّ وجد ومن سار وصل، وكما قال تعالى:( لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ).
    فأوّل السّبل إلى العفّة والعفاف:
    أوّلا: الإكثار من الدّعاء:
    ذلك لأنّه:( مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف:178]، وقال تعالى:( مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأنعام من الآية 39]. وفي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (( إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ )) ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: (( اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ )).
    عن قتادة قال: قال مورق العجليّ: ما وجدت للمؤمن في الدّنيا مثلاً إلاّ مثل رجلٍ على خشبة في البحر، وهو يقول: يا ربّ يا ربّ لعلّ الله أن ينجيه.
    وعن أسامة قال: كان من يرى سفيان الثّوري يراه كأنّه في سفينة يخاف الغرق، أكثر ما تسمعه يقول: يا رب سلّم سلّم .
    فإذا علمت أنّ قلبك بيد مولاك، وأنّ بيده ضلالك أو هداك، فسارع إلى دعائه، والتضرّع إليه وسؤاله، فهو أكرم الأكرمين، وأرحم الرّاحمين، إنّه من لا يردّ السّائلين، ويستحي أن يردّ سائليه خائبين ..
    فاسأل مولاك تزكية النّفس كما كان يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي مسند الإمام أحمد عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (( اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَنَفَسٍ لَا تَشْبَعُ وَعِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَدَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا )). قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رضي الله عنه كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَاهُنَّ وَنَحْنُ نُعَلِّمُكُمُوهُنَّ.
    وفي العفّة جاءت أدعية ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل الله فيها أن يكفّه عن الحرام وما أدّى إليه، منها:
    ما رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ في دعائه: (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى) وفي رواية ثانية نسائيه ، ولا تُعطى الغنيمة إلاّ لمن كان بالسّاحة ..
    فينبغي للمسلم أن لا يكون طفلا في حجر العادة، محصورا بقماط الهوى، فإن كان كذلك فما له ومزاحمة الرّجال ؟
    وقيل لأحد الصّالحين: فلان يمشي على الماء ! فقال: إنّ من مكّنه الله تعالى من مخالفة هواه، لهو أعظم من المشي على الماء وقال أبو بكر بن الضّرير: دافعت الشّهوات حتّى صارت شهوتي المدافعة .
    عن أحمد بن حرب قال: يا عجبًا لمن يعرف أنّ الجنة تُزيَّن فوقه، والنّار تُسَعَّرُ تحته، كيف ينام بينهما ؟
    وتكلّف الأمر يجعله سجيّة وطبعا، فإنّما العلم بالتعلّم، والفقه بالتفقّه، والصّبر بالتصبّر، والعفّة بالتعفّف.
    رابعا: النّظر في العواقب
    فتأمّل قبل النّظر إلى ما لا يحلّ لك .. تأمّل قبل أن تلمس من لا تحلّ لك .. تأمّل قبل أن تراسل من لا تحلّ لك .. تأمّل قبل أن تواعد من لا تحلّ لك .. تأمّل عاقبة المعصية وتذكّر ثمرة الطّاعة ؟
    قال ابن مفلح في الآداب الشّرعيّة : ( فصل مهمّ ) إنّما فُضِّل العقل على الحسّ بالنّظر في العواقب، فإنّ الحسّ لا يرى الحاضر، والعقل يلاحظ الآخرة ويعمل على ما يتصوّر أن يقع، فلا ينبغي للعاقل أن يغفل عن تلمح العواقب .
    فلو تذكّر المسلم عاقبة الغضب وقت الغضب، لم يقع في النّدم، فلذّة الحلم أوفى من الانتقام.
    ولو تذكّر المبذّر عاقبة التّبذير حال نشوته، ما ندم، فلذّة الاقتصاد والإنفاق في المعروف أوفى من الإسراف.
    فمن علم أنّ الدّنيا تزول، وأنّها شمسها إلى أفول، وأنّ مراتب النّاس في الجنّة على قدر أعمالهم في الدّنيا، نافس أولئك قبل أن يصل، فلذّة النّظر إلى وجه الله الكريم، والتمتّع بالنّعيم المقيم أوفى وأغلى وأسمى من نعيم الدّنيا كلّه.
    فَقِسْ كلّ لذّة عاجلة، ودع العقل يتلمّح عواقبها.
    كذلك أمر العفّة والعفاف، فلذّة النّظر تعقبها حسرة في القلب .. ولذّة اللّمس الحرام يعقبه انقباض في الصّدر ..
    كلّ الحــوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر ‏
    كـم نظرة فعلت بقلب صاحبها فعل السهام بــلا قوس ولا وتر
    والعبــد ما دام ذا عيـن يقلّبـها في أعين الغير موقوف على خطر
    يسر ناظـــره ما ضـرّ خاطـره لا مرحبا بسرور عاد بالضــرر

    وربّما كانت عاقبة الزّنا ومظاهر العشق ونحو ذلك أن يعاقبك الله في عرض أهلك، وكما قال أحدهم:
    يَا هَاتِكًا حُرُمَ الرِّجَالِ وَتَابِعًا طُرُقَ الْفَسَادِ عِشْْتَ غَيْرُ مُكَرَّمِ
    مَنْ يَزْنِ فِي قَوْمٍ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فِـي أَهْلِهِ يُزْنَى بِرُبْـعِ الدِّرْهَمِ
    إنَّ الزِّنَا دَيْـنٌ إذَا اسْتَقْرَضَتْهُ كَانَ الْوَفَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِك فَاعْلَمْ

    ومن مليح الأمثال والمواعظ للنّساء في ذلك، ما ذكره أحدهم قال: اجتمع العلم والمال والشّرف-أي العرض-، فقال العلم: هذا زمانٌ فسد فيه النّاس، فقد حان وقت الفراق، فمن أراد أن يجدني فليجدني في الكتب والمساجد. وقال المال: وأنا راحل كذلك، فمن أراد أن يجدني فليجدني في الأسواق والمتاجر. وقال العرض والشّرف: أمّا أنا فراحل، وإذا رحلت فلن أعود.

    هذه عاقبة ترك العفاف ..
    أمّا لذّة العفّة فلا تساميها لذّة، فإنّ غضّ البصر، ونبذ الشّهوة المحرّمة تكسِب المسلم راحة القلب، وانشراح الصّدر، ونشوة النّصر، ويظهر أثر العفّة في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أنّ إطلاق البصر والكلام الحرام والعزم على الفاحشة يورث العبد ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه، ولهذا ذكر الله سبحانه آية النّور في قوله تعالى:( اللَّهُ نُورُ السَّمَـاواتِ وَالأرْضِ) [النور:35]، عقيب قوله:( قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـارِهِمْ) [النور:30].

    #1296962
    المهاااجر
    مشارك

    يعطيكـ العافيه
    على الطــــرح المتميز

    تقبلي مروري وتحياتي
    وجزاكي الله الف خير

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد