مشاهدة 3 مشاركات - 1 إلى 3 (من مجموع 3)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #111487

    إن التطور الذي أحرزه حقل طب العيون وجراحتها بلغ مرحلة متقدمة جدا، فبعض العلاجات والأجهزة الحديثة لو ذكرت منذ سنوات لاعتبرها الناس مستحيلة التحقيق ومن قبيل الأحلام ليس إلا. لكننا اليوم نشهد فتحاً جديداً في العلوم وإنجازات مدهشة مع كل إشراقة شمس.
    العين البشرية جهاز دقيق وحساس جدا، يرتبط بمنظومة من الأعصاب التي تشبكه في دورها بالدماغ حيث يتم تحليل وتفسير الإشارات الضوئية المنعكسة وإعطائها طابعها ومعناها في حياتنا اليومية. فعبر العين تصل إلينا 90 % من الصور والأحاسيس التي تنعكس من البيئة الخارجية التي نحيا فيها. لذا اعتبر البعض إن حاسة البصر هي أهم الحواس التي تتمتع بها الكائنات ، خصوصاً الإنسان. إنها نافذة الدماغ التي يطل منها إلى الخارج . وهي تشغل أهم المواقع في القشرة المخية. وجهاز البصر نظام كامل متكامل ودقيق لكنه هش جداً وسريع العطب، يؤثر فيه كثير من العاهات والأمراض لفرط حساسيته . وقد عانى الإنسان منذ القدم من إصابات العين واختلالاتها نتيجة الحوادث والأمراض التي تفتك بها. أما في العصر الصناعي الحديث فلقد ازدادت وتيرة الإصابات والأضرار التي تضرب البصر نتيجة لتعقد الحياة اليومية، وبسبب إصابات العمل في المصانع، واستخدام أجهزة وآلات يؤدي سوء استعمالها أو الأخطاء في تصنيعها إلى انفجارها وأضرارها بالعين. نذكر على سبيل المثال، لا الحصر، بعض الأدوات المنزلية التي تعمل بالضغط مثل أربا يق تخمير القهوة الكهربائية، وطنا جر الضغط، والقلايات، والمطاحن، والفرامات وغيرها من الأدوات الكهربائية كالمناشير والسكاكين التي تعمل بدفع المحرك الكهربائي.
    كما أن حوادث السير تخلف وراءها كل عام عدداً لا يستهان به من الأشخاص المصابين بعاهات دائمة وقصور وتشوهات في جهاز البصر. وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الأطفال المصابين بمثل هذه الحوادث والأمراض يشكلون نسبة كبيرة جدا.
    ومن الناحية الايجابية، فلقد شهد هذا العصر تقدماً رفيعاً على مستوى معالجة أمراض العيون وتصحيح اختلالاتها، كما أن جراحة تقويم البصر قد تقدمت وتطورت في شكل سريع وفعال في الربع القرن المنصرم مستفيدة من التقدم التقني الهائل الذي حصل في ميدان تكنولوجيا الأجهزة الطبية واللايزر والميكروسكوبات الالكترونية وأجهزة التصوير الحديثة المتفوقة.
    فلقد بات من الممكن شفاء حالات كانت تعد في الماضي القريب، أي قبل خمس سنوات فقط مستعصية لا سبيل إلى شفائها. وقبل أن نخوض في وصف التقنيات والأجهزة والأساليب العلاجية الحديثة التي حصلت في ميدان طب العيون. لا بد لنا من أن نتذكر بعض صفات جهاز البصر ونتعرف إلى سماته الفيزيولوجية العامة في صورة موجزة قصد التمكن من إدراك أهمية الآلات والتقنيات التي سيرد ذكرها لاحقا، والتي تشكل ثورة شاملة أطاحت بمعظم ما هو تقليدي من الأدوات والممارسات العيادية في طب العيون. هذا الميدان الذي يلبس في الزمن الحاضر حلة قشيبة لا عهد للماضي بها.
    تتصف العين من الناحية الفيزيولوجية التشريحية بأنها جسم كروي الشكل يزن 5،7 غرامات كمعدل تقريبي متوسط ، ولها غشاء خارجي أبيض هو الصلبة التي تحفظ لها شكلها المعهود بواسطة أنسجتها المتينة المتشكلة من ألياف كولجانية رابطة Collagen و الصلبة هي ذاتها جسم غير منفذ للضوء بمجمله إلا من خلال فتحة أمامية على شاكلة زجاجة الساعة يبلغ قطرها 12 ملم، وتسمى هذه الكوة المنفذة للنور القرنية . ويلتصق غلاف العين المشيمي بالصلبة من الداخل. ثم يتلو غشاء عمودي يسمى الحدقة أو قزحية العين. وتحمل خلايا هذه الأخيرة مواد تلوينية لتعطي العين لونها المحدد. ويركز البؤبؤ في وسط الحدقة، وهو عبارة عن فتحة صغيرة تتمدد أو تتقلص بمساعدة عضلة خاصة في الحدقة، فتتحكم بكمية الضوء العابر فيها.
    وتوجد الشبكية بطبقاتها المتعددة في مؤخرة كرة العين ووظيفتها التقاط الضوء والألوان وإدراك نوعيته عبر طبقاتها العشر التي تنطبع عليها الصور و المرئيات كما على شريط التصوير في الكاميرا العادية. وتتألف طبقات الشبكية من عناصر ذات حساسية عالية للضوء هي خلايا متخصصة على شكل عصيات أو مخروطات Rods&Cones وهذه، في دورها، تتصل بكتل عقدية من الخلايا العصبية تجتمع معاً لتشكل العصب البصري، وهو الكابل الاتصالي المهم الذي يربط العين بالدماغ مباشرة.
    أما العدسة فهي جسم بلوري شفاف يبلغ قطره 10 ملم وله شكل محدب الوجهين ويقع خلف الحدقة مباشرة ولا يحتوي على أية أعصاب أو أوعية دموية. وتتحكم العضلة الهدبية بدرجة أحديداب العدسة هذه بحيث تتكيف مع الأجسام المنظورة قريبة كانت أم بعيدة. وإلى خاف العدسة مباشرة نجد الرطوبة الزجاجية التي تملأ مجمل فجوة العين الداخلية وهي تخلو من الأوعية والأعصاب تماما.
    إذا، فالقرنية والعدسة لبلورية والرطوبة الزجاجية إضافة إلى الرطوبة المائية، تشكل مجتمعة نظام انكسار الضوء في العين. وعندما تنكسر الإشعاعات التي تخترقه وتنحرف كثيراً عن المعدل المطلوب قبل أن تركز بؤرتها في الشبكية، يعاني الإنسان من حسر البصر أو قصره . أما إذا كان انكسار الضوء غير واف وضعيف ، فترتكز البؤرة إلى ما وراء الشبكية وهذه الحالة تشخص بما يسمى مد البصر Long sightedness . ولنتصور الآن أن القرنية، ذلك الجزء الحساس من العين. أصابها جرح بليغ بفعل حادث ما، فالإنسان المصاب ستنتابه الآلام المبرحة الحادة ولن يتمكن من الرؤية. وقبل عشر سنوات كانت جروح القرنية التي تبلغ بضع ملليمترات يتوجب أن تخاط بإبر تترك خلفها ندوباً وآثاراً دائمة. لكن اليوم، وبمساعدة التقنية الحديثة المتطورة، تم تجاوز الكثير من تلك التعقيدات. فالإبرة التي تقطب بها القرنية باتت صغيرة جداً ودقيقة وأقل إيذاء للعين. وخيوط الجراحة أصبحت متناهية الدقة وعالية المتانة تستصعب رؤيتها بالعين المجردة، إنما هي عملية جداً وطيعة ليد الجراح في الربط والعقد. ومنها أصناف حديثة لا تستخرج من مكانها حتى بعد التئام الجرح فتذوب في الأنسجة وتختفي من تلقائها.
    وروسيا تعد بلداً متقدماً في ميدان جراحة العين وعلاجها. ولقد طور الجهاز الطبي والتقني هناك أنواعاً من الغراء والمواد اللاصقة التي يستعاض بها عن الخيط الجراحي في لحم الجروح ، ومنها صمغ بيولوجي فعال. وآخر أثبت جدواه يحمل رمزاً هو nk-6 . وقد يستعمل الجراح الأسلوبين معا، حسب الحاجة، أي المادة اللاصقة زائد الخيط الجراحي الحريري أو اللدائني. ويتصف الغراء nk-6 أنه يلصق الأنسجة بقوة وفعالية، وهو غير سام إطلاقا، بل له سمات رائعة تتمثل بأثره المعقم وقدرته على مكافحة الالتهاب إضافة إلى أنه يعمل كمضاد للبكتيريا والجراثيم في مواقع الجروح .
    وقد يحدث أحياناً أن لا تقتصر إصابة العين على الجروح أو الرضوض فقط . بل قد يترافق ذلك مع دخول شظايا زجاجية أو معدنية أو سواها داخل العين. وقد طور معهد هيلمهولتزHelmholtz أجهزة ومعدات خاصة تناسب كل حالة من الحالات. ففي الواقع لا يمكننا التعميم هنا. فلكل إصابة طابعها الخاص وحالتها المتفردة. لذا ينبغي أن تعامل كل إصابة تبعا لخصوصيتها ودرجة حدتها وخطورتها. مثلاً إذا كانت النثر والشظايا التي اقتحمت وقب العين قابلة للتمغنط تسحب بواسطة مغناطيس خاص. وإذا كانت تلك النثر الدخيلة عميقة جداً داخل نقرة العين وبين طبقاتها الداخلية تستعمل إبرة مغناطيسية يمكن دفعا إلى المناطق الصعبة من دون الأضرار بالأنسجة المجاورة. وأصناف المغناطيسيات الطبية هذه متنوعة وفعالة، وهي لا ترسل دفقاً مغناطيسياً متواترا، بل تنبعث منها نبضات متقطعة تطلق بحسب الحاجة. ويستعان في مثل هذه الحالات بآلات تصوير متطورة وميكروسكوبات خاصة لمراقبة العمل ومتابعة سحب الشظية التي يجذبها الرأس المغناطيسي ويجرها إلى الخارج .
    والإصابات لا تكون دوما بمثل هذه البساطة إذ كثيراً ما تترافق مع التهابات تضرب أنسجة العين نتيجة تأكسد الشظايا أو تلوثها. ويفخر معهد هيمهولتز أنه الوحيد في العالم الذي يمتلك أجهزة طبية متكاملة تتيح معالجة كل حالة مهما بلغت من التعقيد. فلقد طور مشارط دقيقة تتصل بأنابيب من الألياف الضوئية تمكن الجراح من الوصول إلى النقطة المطلوبة التي ينيرها الأنبوب الضوئي الذي يهدي بنوره مبضع الجراح ويسهل عمله. وتتوافر أنابيب ضوئية مجهزة بملاقط وكلابات خاصة تسمح بالتقاط أصغر الأجسام وأدقها، كما يمكن دمج كل هذه التقنيات معا إذا اقتضى الأمر. وحتى ظاهرة المشط الذي يجذب إليه قطع الورق والزجاج الصغيرة إذا حككناه بالصوف أو سرحنا به الشعر، الهم بعض المهندسين على تركيب آلة تعمل بالكهرباء الساكنة STATIC ELEC بحيث تستطيع جذب وإخراج الأجسام اللا معدنية من العين. وفي بعض الحالات ، وعندما يكون عدد الشظايا الداخلة في العين كبيراً ويحتاج إلى جلسات كثيرة أو يتعذر إخراجه . وخوفاً من مضاعفات الالتهاب يستعان باللايزر بحيث تعمل إشعاعاته على تعقيم كل شظية في مكانها.
    أما في حالات جراحة الجسم الزجاجي فالتقدم بلغ أوجه. وبعدما كانت إصابات المنطقة الزجاجية تعني العمى التام واستئصال العين بكليتها خوفاً من مضاعفات انتقال الالتهاب إلى العين السليمة، بات في الإمكان إجراء جراحات ناجحة في هذا الجزء المهم من العين. فبمساعدة جهاز فولكا المتقدم، تيسرت العمليات وصار من الممكن إزاحة العدسة البلورية من مكانها وشفط السائل الزجاجي واستبداله بسائل شفاف وناشط بيولوجياً يحل محل السائل الزجاجي المصاب والملوث بالدم والشظايا. ثم تستبدل الأنسجة المتضررة وترقع الأجزاء في أمكنتها الصحيحة ولا يطول المدى حتى نجد المريض قد تماثل للشفاء واستعاد حياته الطبيعية.
    وكي نستكمل الغرض من هذا الحديث لا بد من المرور على العلاجات الأخرى العجائبية التي توظف أجهزة صوتية ما فوق سمعية ذات الترددات المنخفضة، وآلات اللايزر وسواها.
    وهي أقل أضرارا بالجسم والأنسجة وأدق تصويباً وفعالية. فبين أيدي الجراح اليوم مدفع صوتي يبلغ نطاق ذبذبته 20 كيلو هرتز أنه سكين يمكنها بضع الأنسجة البيولوجية إلى حدود لا متناهية الصغر بحيث يمكنها أن تفصل الأغشية الرقيقة عن الأعضاء وتسهل هكذا جراحات التطعيم واستبدال الأنسجة والأعضاء وزراعتها. هذه المداخلات الجراحية تعالج كل شريحة وطبقة من الأنسجة في مفردها كما هو الحال في عمليات زراعة القرنية. والمبضع الصوتي هذا يخفف من الصدمة الجراحية ومضاعفاتها. ففي حالة جراحة القرنية يتم الشفاء في غضون 6- 7 أيام فقط وتسترد القرنية هكذا شفافيتها.
    وكثيرا ما تصاب العين بنزيف داخلي أثر حادث أو صدمة ما. وهذا الأمر مألوف في عالم الألعاب الرياضية والعنيفة منها خصوصا. ولهذا النزيف مضاعفات خطيرة جدا. ولقد ابتكر الأطباء دواء خاصاً الستربتوديكيس Streptodecase ، وهو عقار ضمائري يمكن حقنه على دفعتين أو ثلاث فيوقف النزف مهما كان حاداً، كما أن له صفة أخرى لا تقل أهمية وهي قدرته على التخلص من بقايا الدم المتخثر وتذويبها. وفي إحدى المرات التي استعمل فيها هذا لعقار كان المصاب شاباً يمارس رياضة الهوكي. ولسوء حظه تلقى ضربة عنيفة من عصى شريكه في اللعب، ما أحدث نزفاً داخلياً حاداً عنده، ونقل إلى المركز للعلاج حيث حقن بالتربتوديكيس الذي أذاب الدم المتخثر وأوقف النزف على الفور فأنقذ الفتى المصاب واستعاد بصره .
    وبالإضافة إلى هذا العقار، تتوافر في المراكز الطبية سلسلة من العقاقير الحديثة والناجحة، منها أدوية تقطر العين مباشرة حسب الطريقة التقليدية. ومنها أيضاً مضادات حيوية فعالة لمكافحة الالتهاب والعدوى . وأهم المنجزات في هذا المجال أصناف ثورية جديدة من العقاقير على شكل براشيم رقيقة وهي أكياس دوائية صغيرة مصنوعة من مواد متبلمرة Polymer مدمجة مع مضادات حيوية وكبريتات الانيلاميد وسواها من المواد العلاجية.
    يرطب السائل الدمعي الأكياس هذه بعد أن تلتصق على العين فتصبح لينة مرنة، وتبدأ ببث الدواء تدريجا وفي صورة منتظمة على مدار النهار والليل، ثم تذوى وتذوب كلية. فتستبدل . أما أشعة اللايزر فلها دوماً موقعها ودورها المهم . فهذا الشعاع السحري يجعل من السهل على الجراح إجراء عملياته في أقسام العين المختلفة داخلية وخارجية من دون إراقة الدم أو اعتماد المشرط التقليدي. فاللايزر قادر على كشط المساحات والأغشية المصابة وتبخيرها إذا اقتضى الأمر. واللايزر الطبي الحديث جهاز لا غنى عنه في غرفة العمليات الحديثة. وعلى خلاف اللايزر وسواه من أجهزة التخثير الحرارية، نشير إلى الجراحة الباردة التي تتم بأجهزة تعمل بالغازات السائلة تحت ظروف الضغط المرتفع كالنيتروجين السائل وثنائي أوكسيد الكربون. وبهذه الجراحة الباردة يمكن أن تخثر الجروح أو تتم مداخلات أخرى كثيرة.

    التطور المستمر والعقل البشري المبدع لا يزال يعمل ويسهم في تخفيف آلام الإنسانية المعذبة وفي رد النور إلى المقل التي اعتراها المرض واكتنفها الظلام بسرباله . أنها أحلام تتحقق ، وثغور تسترد البسمة والضوء واللون.

    #1284518

    مشكور اخي فتى و دمت لنا بالف خير

    تحياتي

    #1284640
    noor_888
    مشارك

    تسلم فتى

مشاهدة 3 مشاركات - 1 إلى 3 (من مجموع 3)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد