الرئيسية منتديات مجلس الثقافة العامة الأمامأبو جعفر محمدالباقر (علية السلام)

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #109367
    ثعلب
    مشارك

    ولد الإمام الباقر (عليه السلام) (بالمدينة المنورة سنة سبع وخمسين من الهجرة النبوية، وكان أول مولود اجتمع بنسبه الإمامان الحسن والحسين (عليه السلام)، لأن أمه هي فاطمة أم عبد الله بنت الحسن بن علي، فهو هاشمي من هاشميين، وأول علوي من علويين، وأول فاطمي من فاطميين. أقام مع جده الحسين ثلاث سنين أو أربع وحضر واقعة كربلاء كما عاش مع أبيه زين العابدين أربع وثلاثين سنة وعشرة أشهر، أو تسعاً وثلاثين سنة، وبعد أبيه تسع عشر سنة(1). وعاصر من الخلفاء الأمويين وليداً ابن يزيد، وسليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك وأخاه هشاماً والوليد بن يزيد وأخاه إبراهيم، وقُبض بالمدينة في ذي الحجة سنة أربع عشرة ومائة، وله يومئذ سبع وخمسون سنة مثل عمر أبيه وجده.

    وهو ربيب مدرسة أبيه زين العابدين (عليه السلام)، وجامع علومه، ووارث فضائله ومكارمه، وقد قام بدوره بحمل عبء الإمامة الدينية والزعامة العلمية في عصره، فاجتذب إلى مدرسته الصديق والمعاند، والمحب والمبغض، واعترفوا جميعاً بفضله وعلمه.

    سئل جابر الجعفي: (لِمَ سُمي الباقر باقراً؟) قال: (لأنه بقر العلم بقرا، أي شقه شقاً، وأظهره إظهاراً)(2) ولم يكن اهتمامه منصباً على الفقه وعلوم القرآن فحسب، بل تعداهما إلى علوم خرى كالحكمة والتاريخ والكيمياء واللغات وغيرها مما نرى أخباره أو إشارات عنه في تاريخ حياة الإمام، وفي طيات كتب السير والحديث.

    ومما قاله موسى بن أكيل النميري: (جئنا إلى باب دار أبي جعفر (عليه السلام) نستأذن عليه، فسمعنا صوتاً حزيناً يقراً بالعبرانية، فدلنا عليه، وسألنا عن قارئه، فقال (عليه السلام): (ذكرت مناجاة إيليا فبكيت من ذلك)(3). وروي عن سماعة بن مهران أنه قال: (جئنا نريد الدخول على أبي جعفر (عليه السلام)، فلما صرنا في الدهليز، سمعنا قراءة سريانية بصوت حزين، يقرأ ويبكي حتى أبكى بعضنا)(4).

    وقد قيل إنه لم يظهر من أحد من أولاد الحسن والحسين عليهما السلام من العلوم ما ظهر منه من التفسير والكلام والفُتيا. قال محمد بن مسلم: (سألته عن ثلاثين ألف حديث، وقد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين)(5). ووفد إليه كل طالب علم، واستقى من منهله العذب كل متعطش لمعرفة الحقيقة. فهذا الدهري يسأله تارة، وهذا الخارجي يجادله أخرى، وهؤلاء أئمة المذاهب يأخذون عنه ويعترفون بعلمه وفضله وزهده.

    فهذا الأبرش الكلبي يقول للإمام الباقر (عليه السلام): (يا ابن علي، هل قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان؟). قال: (نعم)، قال: (فإني سائلك عن مسائل). قال: (فإني كنت مسترشداً فستنتفع بما تسأل عنه(6).

    وهذا عبد الله بن نافع الأزرق وهو من رؤساء الخوارج جاء ليسأل الباقر (عليه السلام) عن مسائل(7)،وتكلم رؤساء الكيسانية مع الباقر (عليه السلام) في حياة محمد بن حنيفة وقد رد الإمام قولهم في ابن حنيفة(8).

    وفي (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني): قال عبد الله بن عطاء المكي: (ما رأينا العلماء عند أحد أصغر منهم عند
    أبي جعفر، يعني الباقر (عليه السلام) ولقد رأيت الحكم بن عيينة مع جلالته وسنة عنده، كأنه صبي بين يدي معلّم يتعلم منه).

    عن محمد بن مسلم قال: (ما شجرني في قلبي شيء قط إلا سألت عنه أبا جعفر (عليه السلام) حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث، وسألت أبا عبد الله(عليه السلام)(9) عن ستة عشر ألف حديث)(10). وهناك أمور هامة في تاريخ حياة الإمام الباقر وسيرته (عليه السلام) تجدر الاشارة إليها؛ الأول، إن الإمام الباقر انصرف في مدرسته إلى إفادته النخبة الجليلة التي حملت لواء العمل ومشعل الهداية في كل قطر ومصر، وإن ابتعاد الإمام الباقر(عليه السلام).

    عن الزعامة السياسية وتفرغه للعلم كفاه شر الخلفاء الأمويين، ويسرَّ عليه أداء هذه الرسالة الروحية السامية. وقد كان حريصاً على نشر الرسالة العلمية في خفية عن الأعين واعتكاف الناس، نأيا بنفسه عن غضب السلطان، ودرءاً للعداوات والأحقاد.

    عن أبي القاسم اللالكائي في (شرح حجج أهل السنة): قال أبو حنيفة لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام): (أأجلس) وكان أبو جعفر قاعداً في المسجد، فقال أبو جعفر: (أنت رجل مشهور ولا أحب أن تجلس إليّ). قال: (فلم يلتفت إلى أبي جعفر وجلس…)(11) وهذا جابر الجعفي يقول: (دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقال: من أين أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة، فقال: ممن؟ قلت: من جعف. قال لِمَ قدمت إليَّ ها هنا؟ قلت: طلباً للعلم. قال: ممن؟ قلت: منك. قال: إذا سألك أحد من أين أنت فقل من أهل المدينة. قلت: أيحـــل لي أن أكـــذب؟ قال: ليس هذا كـــذبـــاً. من كـــان في مدينة فهو مــن أهلها حتى يخرج)(12).

    ثانياً، أن الإمام الباقر (عليه السلام)، وهو زعيم المدرسة العلميّة المحمدية بالمدينة، لم يمنعه اشتغاله بالافادة والتدريس من العمل لكسب العيش، مهما كانت ظروف العمل وأوضاعه، فقد ضرب باضطلاعه بأعمال صعبة أروع الأمثلة على بذل الجهد والجدّ في طلب الحلال، ليكون بذلك إماماً وقدوة للعلماء العاملين، يقول محمد بن المنكدر: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة، فلقيت محمداً بن علي (الباقر)، وكان رجلاً بديناً، وهو متكيء على غلامين له موليين، فقلت في نفسي: شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحــــال في طـــلب الدنيا؟ فدنــوت منه، فسلمــــت عليه، فسلّم عليّ ببهر(13) وقد تصبب عرقاً، فقلت: أصلحك الله، لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال؟ فخلّى عن الغلامين، ثم تساند وقال: لو جاءني والله الموت وأنا في هذه الحال، جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله تعالى أكف بها نفسي عنك وعن الناس، وإنما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله.

    ثالثاً: كان الباقر (عليه السلام)، مع علمه وزهده، لا يحرم على نفسه ما أحل الله له من نِعَمِ الأكل والشرب واللباس. في (الكافي)، عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام)، فدعا بالغداء، فأكلت معه طعاماً ما أملت طعاماً قط أنظف منه ولا أطيب، فلما فرغنا من الطعام قال: يا أبا خالد، كيف رأيت طعامك، أو قال: طعامنا؟ قلت: جُعلت فداك؟ ما رأيت أطيب منه قط، ولا أنظف. ولكني ذكرت الآية في كتاب الله عز وجل (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم)(14). فقال أبو جعفر (عليه السلام): إنما تسألون عما أنتم عليه من الحق.

    وفي (الكافي) عن زرارة قال: خرج أبو جعفر (عليه السلام) يصلي على بعض أطفالهم، وعليه جُبّة خَزّ صفراء، ومطرف خَزّ أصفر(15).

    وأيضاً عن الحسن الزيات البصري قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) أنا وصاحب لي، فإذا هو في بيت منجد وعليه ملحفة وردية، وقد حفَّ لحيته واكتحل، فسألناه عن مسائل…(16).

    وأما عن زهده وورعه وعبادته فحدّث ولا حرج، فهو ربيب زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام). في (الكافي): عن ابن القداح عن أبي عبد الله جعفر (عليه السلام) قال: كان أبي (عليه السلام) كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر الله، وآكل معه الطعام وإنه ليذكر الله، ولقد كان يحدّث القوم، وما يشغله ذلك عن ذكر الله. وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه يقول: لا إله إلا الله، ولقد كان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منا، كان لا يقرأ منا أمره بالذكر(17).

    هذه هي بيئة الإمام الصادق (عليه السلام) وأسرته والمدارس التي تعلم فيها وتخرج منها مما هيأه لحمل عبء الإمامة والزعامة العلمية الفريدة في عصره.

    وها نحن مقبلون على دراسة حياة الإمام الصادق (عليه السلام) الحافلة، والوقوف على جوانب علومه وثقافته المتشعبة. وقد مرّ أن الدراسات الاسلامية وكتابات علماء المسلمين عن سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) وحياة الأئمة (عليه السلام) انصبت، وما زالت، على جانب العبادة ومعرفة الحلال والحرام، حتى يومنا هذا، في حين أن دراسة المستشرقين للإمام الصادق (عليه السلام) ومدرسته العلمية، ركزت على الجوانب العلمية والتاريخية والاجتماعية.

    وفي هذه الدراسة يقف القارئ للمرة الأولى على نظريات الإمام الصادق (عليه السلام) العلمية في الكيمياء والفيزياء والنجوم والفلك وعلم الصحة والطب وغيرها، مع شروح ومقارنات تبين دقة النظرية وأهميتها وسبقها للاكتشافات العلمية التي تحققت في عصر النهضة في أوربا.

    وقد تواتر القول بأن جابراً بن حيّان، وهو أبو الكيمياء، قد تتلمذ على الصادق (عليه السلام)، وأنه جمع إفادات الصادق (عليه السلام) له في كتاب في ألف ورقة(18) ولكن لم يتسن لأحدٍ من الباحثين والمؤرخين أن يطرح مسألةٍ علمية أفادها الإمام الصادق (عليه السلام)، أو أن يبرز أهمية تلك المسألة ويحللها ويشرحها.

    على أن هذا الكتاب يطالعنا بأمثلة شتى من القضايا والنظريات والنواميس العلمية التي أثارها الإمام الصادق (عليه السلام)، وقام بعض تلاميذه وأصحابه بإثباتها وتسجيلها، وهي في مجموعها تثير دهشة القارئ بسعة علم الإمام ودقة وصفه. فالقارئ يلقى نفسه تارة تلقاء عالم في الكيمياء، وكأنه خارج لتوّه من مختبره يحدّث طلابه بحصيلة تجاربه واختباراته، وهو تارة تلقاء عالم في الفلك، وكأنّه تقدّم بالسبق والريادة على علماء الفلك في القرن العشرين في رصد حركات الفلك والمنظومات الشمسية، وهو تارة أمام طبيب حاذق يقوم بتشريح جسم الانسان وتبيين الأمراض والأسقام وعللها وطرق معالجتها. فإذا انتقلنا من الجانب العلمي النظري إلى الجانب الروحي، رأينا فيه ذلك العالم الرباني، والوجه الملائكي، والإمام القدوة لكل عالم وتقي، وقد قال عنه عمرو بن أبي المقدام: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين(19).

    كما قال فيه الإمام مالك بن أنس (رض): ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادة وورعاً(20). ونود في هذه المقدمة أن نشير ولو بإيجاز إلى الجوانب غير

    المعروفة من ثقافة الإمام وعلومه لنثير شوق الطالب إلى مزيد من البحث والتنقيب اغترافاً من هذا البحر الزاخر.

    من رأي الإمام علي (عليه السلام) أن الإمام ينبغي أن يكون عالماً بكل شيء، وأعلم الناس في كل علم وفن، فهو لسان ولغة، كما أنه يراعي ما يقتضيه حكم العقل، والإمامية ترى أن علم الإمام لايدخل فيه الرأي والاجتهاد، فيحاسب الامام على المصدر والمسند، وإنما علمه إلهي موروث، ولدنّي غير اكتسابي(21) (22).

    فالإمام إذن في رأي الإمامية يعرف جميع العلوم والصنايع واللغات، وقد أفرد الشيخ المفيد (ق) فصلاً في كتابه (أوائل المقالات) سماه (القول في معرفة الأئمة بجميع الصنايع وسائر اللغات)، جاء فيه: (أقول إنه ليس يمتنع ذلك منهم، ولا واجب من جهة العل والقياس، وقد جاءت أخبار عمت يجب تصديقه بأن أئمة آل محمد (صلى الله عليه وآله) قد كانوا يعلمون ذلك…) وعلى قولي هذا جماعة من الإمامية. وقد خالف فيه بنو نوبخت، رحمهم الله، وأوجبوا ذلك عقلاً وقياساً، ووافقتهم في المفوّضة كافة وسائر الغلاة(23). ولكي نعطي الطالب الدارس مفتاح عبقرية الإمام وشخصيته الفذة نشير إلى أنه (عليه السلام) كان يتقن لغات الأمم المتحضرة في عصره، واللغة هي المفتاح أو المنفذ إلى ثقافة أهلها كما هو معروف، وسنورد طرفاً من اللغات التي كان يعرفها الإمام الصادق (عليه السلام) ويتحدث بها(24)، ثم طرفاً من اهتمامه بالطب والفلك والكيمياء، وهي علوم يدور حولها معظم أبحاث هذا السفر النفيس.

    1 – المناقب ج4 ص 210.

    2 – علل الشرايع ج1 ص 233 وبحار الأنوار ج46 ص 231.

    3 – المناقب ج4 ص 195.

    4 – المصدر السابق.

    5 – المصدر السابق.

    6 – المصدر السابق.

    7 – المناقب 4: 194.

    8 – المصدر السابق.

    9 – يعني الصادق (عليه السلام).

    10 – الاختصاص ص 201 ورجال الكشي ص 109.

    11 – المناقب ج4 ص 199.

    12 – المصدر السابق ص 200.

    13 – البهر بالضم: انقطاع النَفَس من الاعياء.

    14 – سورة التكاثر الآية 8.

    15 – الكافي ج6 ص 280.

    16 – المصدر السابق ج6 ص450.

    17 – نفس المصدر ج6 ص 447.

    18 – الفهرست: ابن النديم.

    19 – النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1 ـ 149.

    20 – المناقب 4.

    21 – الإمام الصادق: محمد المظفر 139 ـ 185.

    22 – لدني: من لدن العزيز الحكيم، قال تعالى: من لَوُنَّا علماً

    23 – أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: الشيخ المفيد: ص38 طبع قم، إيران.

    24 – وقد مرّ بنا أن الإمام الباقر (عليه السلام) يقرأ بالعبرانية والسريانية.
    [/b]

    #1264463
    ashbir_02
    مشارك

    سلمت يداك علي الموضوع القيم

    مجهودك رائع بارك الله فيك

    واختيارك اروع

    تقبل مروري

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد