الحمد لله الذي لعظيم هيبته تحرك الساكن وارتج، ولعظيم قدرته التطمت أمواج البحر وثج، الذي أظهر في شهركم هذا من دماء القرابين السفح والشج، وأحب من أكثر الدعاء فيه وألح ولج ،وسماه ذا الحجة وشرع فيه إلى بيته الحج، الذي استدعى من شاء لزيارة بيته العتيق، وحرك عزم القاصد وأعانه بالتوفيق، وسهل للسالكين إلى حرمه مستوعر الطريق، ووعد المتقين بالقبول وهو بإنجاز الوعد خليق، وأزعج قاصديه عن مساكنهم وأخرجهم من أماكنهم بالتشويق، فرضوا عن أهلهم بالبعاد والتفريق، وسارت بهم العزائم عن الربع الأنيق، وجدت بهم النجائب من كل بلد سحيق، فأقبلوا ما بين ماش على قدميه استسعاه يقين التصديق، وما بين ركب {وعلى كل ضامر يأتين من كل بلد سحيق } ،
احمده حمد موقن آمن به وعرفه ، وأشكره على ما انعم به علينا من إدراكنا ذا الحجة ويوم عرفة، واشهد له بنفي المثل في الذات والصفة، وأن محمد عبده ورسوله بالرحمة أرسله ،وبالرأفة وصفه، صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبه أبو بكر الصديق الذي حالفه و ما خالفه ، وعلى عمر الذي رفض الدنيا أنفة، وعلى عثمان الذي جهز جيش العسرة وأسعفه، و على علي الذي ما أشكل على الأفهام علم إلا وكشفه، وعلى عمه العباس الذي عظم الله بيته وشرفه.
أما بعد إخواني في الله :-
فإن للحج دروس تربوية وروحانية يستفد منها الحاج وغير الحاج يستفد منها المسافر إلى بيت الله في حجه ويستفد منها القاعد في بلده أمام تلفازه
يا سائرين إلى البيت العتيق لقد
سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا
إنا قعدنا على عذر وقد رحلوا
ومن قعد على عذر كمن راح

إن من الدروس المهمة التي يجب أن نتعلمها من الحج في بلدنا ونشارك فيها الحجيج هو التخلي عن زخرف الدنيا وزينتها والتجرد من الأهواء والكبر والحقد والحسد وليكن ثياب إحرامك في بلدك التقى
إذ المرء لم يلبس ثيابا من التقى
تقلب عرينا ولو كان كاسيا
وخير ثياب المرء طاعة ربه
لا خير فيمن كان لله عاصيا

فإذا رأيت القوم قد خلعوا ملابس الدنيا وتركوها وراء ظهورهم ولبسوا إحرامهم فارتدي أنت إحرامك بالعزم الصادق على التوبة واخلع عنك كل نقيصة وعيب ورذيلة ولتتذكر بثيابهم البيضاء أكفانك يوم تكون لباسك وإذا تركوا طيب الدنيا وحلائلهم من نسائها فاترك أنت خبيثها ومحرمها من نسائها وإذا ما وقفوا في المسجد الحرام فقف أنت في مسجدك بين يدي الملك العلام حتى إذا ما طافوا في بيت الله فطف أنت بين لطائف البر ومحاسن الأفعال أعن أخاك المحتاج وأعط الصدقة واهد الهدية وأعن الأرملة وواسي اليتيم وأطعم البائس الفقير وأغن المسكين وحب الرجل لا تحبه إلا في الله ولا تبغض إلا في الله وأخلص النية وآنس الزوجة و لاعب الأولاد وبر الأهل والوالدين والجيران فهو طوافك بين لطائف البر ومحاسن الأفعال فإذا فعلت فنعم الطائف أنت وحتى إذا ما سعوا بين الصفا والمروة فاجعل في قلبك جبلين جبل الصفا تصفوا فيه روحك وجبل المروة تتزود فيه من المروءة باتباع سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى إذا ما وقفوا بعرفة فاعرف أنت حق الله عليك من السمع والطاعة وإذا بات القوم بمزدلفة فبت أنت ساجدا قائما لتتقرب إلى الله زلفى حتى إذا ما نحروا هديهم بمنى فانحر هواك ها هنا حتى إذا ما حلق القوم أو قصروا فاحلق من رأسك كل الهمم الدنيئة والأفكار الخاطئة وقصر خطاك عن كل مكان محرم فإذا فرغ الحجيج من حجهم ومن نسكهم وعزموا على العودة إلى ديارهم والرحيل إلى أوطانهم فابق أنت مجاور لأمر الله وابق أنت على نسكك هذا والزم إحرامك هذا لأنه سر السعادة وطريق الكرامة وإياك والعودة إلى أوطان الغفلة و أماكن الذلة وأقطار المهانة.
فهذا ملخص حج العارفين إذا لم يلحقوا بالركب أو تخلفوا عنه والحمد لله رب العالمين .

.

——————————————————————————–
عاشق حور الجنان،الطالب لمغفرة المنان،الساعي لجنة الرضوان، أبوعبدالرحمن
{إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}