الرئيسية › منتديات › مجلس القانون والقضايا والتشريعات › النظام الإسلامي ووضع غير المسلمين:
- This topic has 10 ردود, 7 مشاركون, and was last updated قبل 14 سنة، 9 أشهر by moharram777.
-
الكاتبالمشاركات
-
7 نوفمبر، 2008 الساعة 8:24 م #102956ندم الحبمشارك
النظام الإسلامي هو النظام القائم على الشريعة الإسلامية ، المؤسسة تفاصيله على وفق قواعدها في الاجتهاد والاستنباط والتفسير والتأويل. وغير المسلمين هم شركاء المسلمين في الوطن منذ كانت للإسلام دولة: دولته الأولى في المدينة المنورة ودوله التي توالت أيامها بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وحتى يوم الناس هذا. ولعله من الغني عن البيان أن من سنن الله في الاجتماع البشري أن يتجاور فيه مختلف الملل والنحل كما يتجاور أهل مختلف الألسنة والألوان وهم جميعا أخوة لأب وأم وإن تباعد بمعاني الأخوة الإنسانية طول الأمد بين الأصول والفروع. ولقد قرر القرآن الكريم هذه الحقيقة في قوله تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم وفي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع خاطب الناس جميعا بقوله: يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب 1- أصول ثلاثة: على هذه الأصول الثلاثة أقمت نظري في هذا الموضوع وإليها يرد كل ما تضمنته هذه الدراسة من أفكار وآراء، يستوي في ذلك ما هو اجتهاد أتحمل تبعاته وحدي، وما هو ترجيح لرأي سابق من الفقهاء بالاجتهاد فلي نقله،و لصاحبه فضله وأجره. فالأصل الأول: تحكيم نصوص الشريعة الواردة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة: فما جاء في هذه الأصول فالعمل به واجب، وما وافقها فالعمل به صحيح، وما خالفها مما ليس منها فهو على أصحابه رد، والعمل به اجتهاد بشري، لصاحبه إن كان مجتهدا، أو مؤهلا للاجتهاد، أجره، وعليه إن لم يكن كذلك إثمه ووزره. والأصل الثاني: قبول ما تقتضيه المشاركة في الدار، أو الوطن بتعبيرنا العصري، فكل ما حقق مصالح المشتركين معا فيه جاز، وكل ما أهدرها فهو بالإهدار أولى وأحق. وقد قعًّد هذه القاعدة الأصوليون والفقهاء حين قرروا: أن الشريعة مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وكل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل. ولا يبعد من يقول إن هذه القواعد محل اتفاق الفقهاء على اختلاف مذاهبهم وتنوع منازعهم في الاجتهاد والفتيا والاستنباط. والأصل الثالث: إعمال روح الأخوة الإنسانية، بدلا من إهمالها. فكل قول أو رأي أو فعل نافى روح الأخوة فقد غفل صاحبه عن أصل من أصول الإسلام عظيم، نطق به القرآن الكريم، والسنة الصحيحة، وصدر عنه في أقوالهم وأفعالهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالحون وتبعهم في كل عصر من دعاة الإسلام الهادين المهديين، بل وعاش في ظله رعايا دولة الإسلام منذ كانت وإلى يوم الناس هذا: في مدنهم وقراهم، وأفراحهم وأحزانهم، وبيعهم وشرائهم، وأعيادهم ومواسمهم، حتى إنه لولا الاستمساك المحمود للمسلمين وغير المسلمين بشعائر دينهم الظاهرة، ما عرف منهم مسلم بإسلامه ولا كتابي بكتابه. 2- الأصول القرآنية: فأما القرآن الكريم فإن دستور العلاقات بين المسلمين وغيرهم فيه بينه قول الله عز وجل: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم تقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذي قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون والبر: هو الفضل والخير. والقسط: هو العدل. فهما بنص القرآن الكريم مطلوبان من المسلم للناس كافة، بل للخلق كافة، ويستوي في ذلك من الناس من آمن بالإسلام ومن كفر به، اللهم إذا كانوا يقاتلونه في دينه، ويخرجونه من داره أو يظاهرون على إخراجه. وهذا الدستور القرآني عام يشمل غير المسلمين أيا كان دينهم، أما أهل الكتاب: اليهود والنصارى فلهم أحكام أكثر تفصيلا لما يليق بهم من البر وما يجوز، بل ما يندب القرآن إليه من الود. فطعامهم للمسلمين مباح، وطعام المسلمين مباح لهم، وهل يستقيم الجوار في الدار وأحد الجارين ممنوع من تناول طعام جاره؟! وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ونكاح نسائهم جائز، وإن منع الإسلام رجالهم من التزوج بنساء المسلمين فما ذلك إلا فرع لأصل قرره الإسلام في تنظيم الحياة الزوجية: أن القوامة والرئاسة فيها للرجل، وهو لا يؤمن بالإسلام فكيف يَؤْمَن على المسلمة أن تكون له زوجا، وهي مكلفة أن تقيم شعائر دينها وتطيع ربها؟ وبعض الطاعات وبعض المنهيات متصل أوثق اتصال بالحياة الزوجية، وبعضها متعلق بأخص الخصائص بين الزوجين. أما المسلم حين يتزوج الكتابية فهو مؤمن بدينها، مصدق بكتابها، موقر لنبيها، لا يتم إيمانه إلا بذلك كله. فأي خشية تكون على دينها منه؟ وحياة المشتركين – في البيت أو الوطن – لا تخلو من مسائل تثير الجدل ويدور حولها النقاش، فعندئذ يكون ميزان المسلم الذي يزن به ما يحل له وما لا يحل هو قول الله تعالى: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا باللي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون وهذا النص القرآني وإن كان عاما في كل جدل يتصور وقوعه بين المسلمين وأهل الكتاب، فإن أولى ما يتبع فيه حين يكون الجدال في أمر ديني، تجنبا لإيغار الصدور، وإيقاد نار العصبية والبغضاء في القلوب، بل إن عفة اللسان واجبة على كل المسلم حتى مع المشركين من عبدة الأوثان، ففيهم نزل قول الله تعالى: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم وفي القرآن الكريم نصوص عديدة تنهى عن موالاة غير المسلمين أو غير المؤمنين، منها قوله تعالى: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء، إلا أن تتقوا منهم تقاة، ويحذركم الله نفسه، وإلى الله المصير وقوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا؟ وقوله تعالى: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم هذه الآيات ونظائرها، وهي كثيرة، تقرر أصلا قرآنيا خاصة بوجهة الولاء: لمن يكون ولاء المسلم؟ وأين يقف حين يقع النزاع أو يحتدم الصراع أو توري الحرب زندها بين المؤمنين والكافرين؟ والجواب في القرآن الكريم صريح قاطع، إن المؤمن لا يولي – حينئذ – إلا الله ورسوله والمؤمنين. وهذا الأصل محاط بالضوابط التي تحول دون تحوله إلى عداوة دينية أو بغضاء عقيدية، او فتنة طائفية: 1- فالنهي ليس عن اتخاذ المخالفين في الدين أولياء بوصفهم شركاء وطن أو جيران دار أو زملاء حياة، وإنما هو عن توليهم بوصفهم جماعة معادية للمسلمين تتخذ من تميزها الديني لواء تستجمع به القوى المناوءة للمسلمين والمحادة لله ورسوله. ولذلك تكررت في النصوص القرآنية عبارة من دون المؤمنين للدلالة على أن الموالاة المنهي عنها هي الموالاة التي يترتب عليها انحياز المؤمن إلى معسكر أعداء دينه وعقيدته، من حيث هم أعداء لهذا الدين وهذه العقيدة. 2- إن الموادة المنهي عنها هي موادة المحادين لله ورسوله، لا موادة مجرد المخالفين ولو كانوا سلما للمسلمين. فقد ربط القرآن الكريم النهي عنها في سورة المجادلة بالمحادة لله والرسول، وفي سورة الممتحنة بإخراجهم الرسول والمؤمنين من ديارهم بغير حق: يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم 3- إن غير المسلم الذي لا يحارب الإسلام قد تكون مودته واجبة وصلته فريضة دينية، وذلك شأن الزوجة الكتابية وأهلها الذين هم أخوال أبناء المسلم وجدته وجده، وكلهم من الأرحام الذين صلتهم واجبة على المسلم، ومودته قربة يراد بها وجه الله تعالى، وقطيعتهم ذنب وإثم، ويكفي هنا ما في الحديث القدسي: الرحم مني.. من وصلها وصلته ومن قطعها قطعته وشأن الجار، الذي بلغ من تكرار جبريل الوصية به أن ظن النبي أن الله سيجعل له في الميراث نصيبا: مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه. 4- إنه لا شك في أن الإسلام يعلي الرابطة الدينية على كل رابطة سواها، فالمسلم أخو المسلم، والمؤمنون أخوة، والمسلم أقرب إلى المسلم من أي كافر، ولو كان أباه أو أخاه أو ابنه. ولكن ذلك لا يعني أن يلقي المسلم بالعداوة إلى غير المسلم لمجرد المخالفة في الدين أو المغايرة في العقيدة، بل الأصل هو المودة والبر، والاستثناء – عندما تقوم دواعيه وأسبابه – أن يمتنع المسلم عن موالاتهم أو مودتهم، انتصارا لدينه، وانحيازا لأهل عقيدته. هكذا فصل القرآن الكريم في أصول العلاقات بين المسلمين وغيرهم وعلى هدي هذه الآيات ينبغي النظر إلى تنظيم هذه العلاقات وتقويم ما كان منه في تاريخنا وتراثنا، وتوجيه ما يكون في حاضرنا ومستقبلنا. فكيف صنعت السنة؟ 3- صنيع النبوة: كان أول لقاء بين الإسلام – نظاما للدولة – وبين غير المسلمين – مواطنين في الدولة الإسلامية – هو الذي حدث في المدينة المنورة غداة هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها. هناك كتب النبي صلى الله عليه وسلم – أو أمر بكتابة – الصحيفة التي يعرفها التاريخ الإسلامي السياسي باسم: صحيفة المدينة، أو دستور المدينة أو كتاب النبي إلى أهل المدينة فماذا فيها عن غير المسلمين؟ نقرأ في هذه الوثيقة التي أنشئت بمقتضاها أول دولة إسلامية في التاريخ أنها: – كتاب من محمد النبي رسول الله، بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم. – إنهم أمة من دون الناس. – وأن من تبعنا من يهود، فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم. – وأنه لا يجير مشرك ملا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن. – وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين. وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم. ثم تَعُدُّ الوثيقة: الوثيقة النبوية، تسع بطون من اليهود بأسمائهم فتقرر أن لهم مثل ما ليهود بني عوف، وتضيف أن مواليهم وبطانتهم كأنفسهم. وأن بينهم النصح – هم والمسلمين – على من حارب أهل هذه الصحيفة وأن بينهم النصر والنصيحة، والبر دون الإثم، وأن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة وأن البر دون الإثم، وأن الله على أصدق ما هذه الصحيفة وأبره. فهذه الوثيقة تجعل غير المسلمين المقيمين في دولة المدينة مواطنين فيها، لهم من الحقوق مثل ما للمسلمين، وعليهم من الواجبات مثل ما على المسلمين. ويجب أن نقرن إلى هذه النصوص – التي طبقت بالفعل حتى نقض اليهود وعدهم وخانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم – فحاربهم، التوجيهات النبوية: – من آذى ذميا فأنا خصمه ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة. – من آذى ذميا فقد أذاني، ومن أذاني فقد آذى الله. – من قتل معاهدا (أي ذميا) لم يرح ريحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما والعهود التي كتبها صلى الله عليه وسلم إلى بعض أهل الكتاب جديرة بالنظر فيها: نظر اقتداء واتباع. فقد كتب إلى أهل نجران: … ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم… وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته… ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل منهم حقا فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين…. ومثل ذلك في كتاب خالد بن الوليد إلى أهل الحيرة، وقد أقره الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، واعتبره الفقهاء – بتعبير الإمام أبي يوسف في خراجه – نافذا على ما أنفذه عمر إلى يوم القيامة. ولا شك عندنا في أن الأحكام النبوية الخاصة بمعاملة غير المسلمين يجب أن تتخذ معيارا للحكم على الآراء الفقهية المختلفة في هذا الخصوص، فما وافق هذه الأحكام من اجتهاد للفقهاء جاز لنا أن نأخذ به – إن حقق المصلحة في عصرنا – وما تعارض معها أو تناقض فلا تثريب علينا إن طرحناه جانبا – عند الاجتهاد في تنظيم الدولة الحديثة – وأسقطناه من حسابنا. 4- الذمة عقد لا وضع: الذمة في اللغة هي العهد والأمان والضمان. وهي في الاصطلاح الفقهي عقد مؤبد يتضمن إقرار غير المسلمين على دينهم، وتمتعهم بأمان الجماعة الإسلامية وضمانها بشرط بذلهم الجزية وقبولهم أحكام دار الإسلام في غير شؤونهم الدينية. وهذا العقد يوجب لأطرافه حقوقا متبادلة، أو حقوقا لكل طرف وواجبات عليه. ولكننا قبل أن نمضي في الإشارة إلى هذه الحقوق والواجبات نقرر الحقائق التالية: أولا: إن فكرة عقد الذمة ليست فكرة إسلامية مبتدأة. وإنما هي مما وجده الإسلام شائعا عند بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فأكسبه مشروعيته، وأضاف إليه تحصينا جديدا بأن حول الذمة من ذمة العاقد أو المجير، إلى ذمة الله ورسوله والمؤمنين، أي ذمة الدولة الإسلامية نفسها. وبأن جعل العقد مؤبدا لا يقبل الفسخ – مادامت الدولة الإسلامية التي أبرمته قائمة – حماية للداخلين فيه من غير المسلمين. ثانيا: إن الجزية – وقد كثرت تعليلات الفقهاء وتأويلاتهم لها – لم تكن ملازمة لهذا العقد في كل حال كما يوحى بذلك، بل يصرح، تعريفه الفقهي. وأصح أقوال الفقهاء في تعليلها أنها بدل اشتراك غير المسلمين في الدفاع عن دار الإسلام، لذلك أسقطها الصحابة والتابعون عمن قبل منهم الاشتراك في الدفاع عنها: فعل ذلك سراقة بن عمرو مع أهل أرمينية سنة 22هـ وحبيب بن مسلمة الفهري مع أهل أنطاكية ووقع مثل ذلك مع الجراجمة – وهم أهل مدينة تركية – من الروم في عهد عمر رضي الله عنه، وأبرم الصلح مندوب أبي عبيدة بن الجراح وأقره أبو عبيدة فيمن معه من الصحابة. وصالح المسلمون أهل النوبة على عهد الصحابي عبد الله بن أبي سرح على غير جزية بل على هدايا تتبادل بين الفريقين كل عام وصالحوا أهل قبرص في زمن معاوية على خراج وحياد بين المسلمين والروم. ومن هنا نقول: إن غير المسلمين من المواطنين الذي يؤدون واجب الجندية، ويسهمون في حماية دار الإسلام لا تجب الجزية عليهم. وفي بعض كتب الفقه تصوير يأباه العدل الإسلامي، وترفضه النفوس الكريمة لكيفية أخذ الجزية – عند وجوبها – من غير المسلمين – وهذا التصوير مما لا أصل له في الإسلام. وقد صدق الإمام النووي حين قال: (هذه الهيئة المكروهة باطلة، ودعوى استحبابها أشد خطأ). إن الدول الإسلامية القائمة اليوم تمثل نوعا جديدا من أنواع السيادة الإسلامية لم يعرض لأحكامه الفقهاء المقلدون لأنه لم يوجد في أزمانهم. وهي السيادة المبنية على وجود أغلبية مسلمة، لا على فتح هذه الدول بعد حرب بين المسلمين وأهلها. وهذه الأغلبية شاركها في إنشاء الدولة وإيجادها أقلية أو أقليات غير مسلمة، فكيف تكون أوضاعها؟ إن هذه الصورة الحالية للدولة الإسلامية تقتضي اجتهادا يناسبها في تطبيق الأصول الإسلامية عليها وإجراء الأحكام الشرعية فيها. وهذا إجمال يحتاج إلى تفصيل فنقول: إن الدولة الإسلامية التي قامت بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفتح الله على خلفائها في حقبها المتتابعة ما يعرف اليوم بالعالم الإسلامي، وهي الدولة التي طبقت فيها الأحكام الشرعية والفقهية المدونة في كتب الفقه إلى اليوم، هذه الدولة قد انقضت بانحسار سلطان الخلافة الإسلامية، عن معظم أجزائها وسيطرة الاستعمار الغربي عليها، وانقطاع العمل بأحكام الشريعة فيها. وقد قاومت الشعوب هذه الموجات الاستعمارية، على عتوها وجبروتها، مقاومة بلغ مداها عشرات من السنين، بل جاوز في بعض الأحيان قرنا كاملا من الزمان، وشارك فيها، حيث كان في الشعب مسلمون وذميون، الفريقان جميعا، فخاضا معارك المقاومة معا، وقتل أبناؤهم بيد الطغيان الأجنبي أو طغيان العملاء المحليين معنا. ومن مسلسل المقاومة المستمرة، وقوة الصمود المتجددة، وحركة التاريخ الذي يداول الله سبحانه وتعالى بين الناس أيامه، من ذلك كله نشأت الدول الإسلامية القائمة اليوم. وروى شجرة استقلالها أبناؤها جميعا بدمائهم، ودعا إلى حريتها وعمل لها المفكرون والسياسيون منهم جميعا. وخرج الاستعمار أو أخرج من جل الوطن الإسلامي الذي تعددت فيه الدول، فكيف يصنع أبناؤها؟ هل يقتتلون حتى تخص الدار لبعضهم والذمة للآخرين؟ أم يتعارفون ليرتقوا بأوطانهم، ويحفظ بعضهم حق بعض، وتهتدي أغلبيتهم المسلمة في ذلك بكتاب ربها وصنيع نبيها بدلا من أن تستمسك باجتهادات ناسبت الزمن الذي صيغت له ولم تعد تناسب أزمانها؟ ذلك هو الذي يوجبه تحقيق مصالح الأمة، وذلك هو الذي يدل عليه النظر إلى فعل الصحابة رضوان الله عليهم في غير حالة من حالات تعاملهم مع غير المسلمين، بل ذلك هو عين ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حين أنشأ في المدينة دولة الإسلام الأولى. ولا نشك لحظة، ولا ما دونها، أنه لولا نقض يهود المدينة عهدهم، وغدرهم بالنبي والمسلمين لبقي العهد محترما وفاءً من النبي صلى الله عليه وسلم بعهده، وأداء لحق شركائه فيه، ولكنهم خانوا فعوقبوا، وغدروا – والغدر لا يزال من شيمهم – فطردوا من المدينة إلى غير رجعة إن شاء الله. والشأن في النص القرآني المقرر للجزية – عندنا – كالشأن في النص القرآني المعدد لمصارف الزكاة، فقد أجمع الصحابة موافقين لعمر رضي الله عنه على عدم إعطاء المؤلفة قلوبهم ما طلبوا به من سهمه من الزكاة لأن الله قد أعز الإسلام وأغنى عنهم. وقال الفقهاء: إجماع صحيح، ورأي فقهي سديد لأن للحكم علة دار معها، فحيث توجد يوجد الحكم، وحيث تنتفي ينتفي الحكم. وكذلك الجزية، عللها الفقهاء في أصح أقوالهم بعدم مشاركة غير المسلمين في المجتمع الإسلامي في الدفاع عنه، ونصوا على سقوطها بقبولهم المشاركة فيه، وقد فعلوا. ورتبها النص القرآني على حال القتال الذي ينتهي بأداء أهل الكتاب لها وهي حال لم تعد قائمة اليوم. فيبقى النظر إلى مصلحة المسلمين، بل إلى مصلحة الأمة جميعا بأبنائها كافة، أن تتعاون وتتساند، فتنموا وتقوى وتنهض، بدلا من أن تتعادى وتتباغض فتُمَكِّن لأعدائها من نفسها بتنازعها المؤدي لفشلها وذهاب ريحها وفقدان هيبتها وقوتها. 5- الحقوق والواجبات: في ظل تطبيق أحكام عقد الذمة ثبتت به حقوق لأهلها، تقوم كلها على قاعدة أصلية: أن لهم مثل ما للمسلمين، وعليهم مثل ما على المسلمين إلا ما استثني بنص أو إجماع، وذلك هو مقتضى الشركة في الوطن الواحد. فأول الحقوق هو تمتعهم بحماية الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي، التي تشمل حمايتهم من كل عدوان خارجي، ومن كل ظلم داخلي. فأما الحماية من العدوان الخارجي فيجب لهم ما يجب للمسلمين، ويجب على الحاكم المسلم أن يوفر هذه الحماية لهم (ولو كانوا منفردين ببلد) لأن أحكام الإسلام جرت عليهم، وتأبد عقدهم، فلزمه ذلك كما يلزمه للمسلمين. بل لقد نص الفقهاء بلسان ابن حزم الظاهري على أن (من كان في الذمة وجاء أهلا الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب عليها أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك، صونا لمن هو في ذمة الله ورسوله، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة) ويعلق القرافي – المالكي – على هذا النص فيقول: (فعقد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال صونا لمقتضاه عن الضياع: إنه لعظيم). وحين كانت القيادة الفقهية الرشيدة آخذة مكانها الصحيح في سلم القيادة الإسلامية استمسكت بذلك حتى أصر شيخ الإسلام ابن تيمية على إطلاق من في أسر التتار من أهل الذمة مع إطلاق المسلمين، فقال لقائد التتر (لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسارى من اليهود والنصارى فهم أهل ذمتنا وندع أسيرا لا من أهل الذمة، ولا من أهل الملة). وأما الظلم في العلاقات الداخلية، فقد تكاثرت على تحريمه نصوص القرآن والسنة، ونطقت باستنكاره في خصوص أهل الذمة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار عن أصحابه، حتى صرح غير واحد من الفقهاء بأن قواعد الإسلام تقتضي أن ظلم الذمي أشد ظلما من ظلم المسلم. وحق الحماية يشمل الدماء والأنفس والأموال، حتى قال علي رضي الله عنه: (من كانت له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا). وفي الفقه آراء تختلف وتتفق، يتخير منها الناظر ما وافق هذه الأصول فيقبله، ويرد ما لا يوافقها ولا يعمله، والأمثلة على ذلك كثيرة. فأصح القولين أو الأقوال: حرمة مالهم ولو لم يكن متقوما في نظر الإسلام كالخمر والخنزير، وجواز إقامة دور العبادة التي يتعبدون فيها، وقبول شهادتهم إلا في الأمور الدينية للمسلمين من نحو الزواج والطلاق وما يجري مجراهما، وجواز أمان الفرد منهم موقوفا على إجازة الإمام فإن لم يجزه وجب عليه رد المؤمن إلى مأمنه، ويجب ضمان الحياة الكريمة لهم عند الكبر، بل إن ذلك من فروض الكفايات: إذا عجز عن القيام به بيت المال وجب على المسلمين كافة لا يسقط إلا بأدائه. ويجب، على الأصل نفسه، فك أسراه من أيدي المحاربين. والمحقق جواز تولي القادر منهم الوظائف العامة في الدولة إلا ما كان ذا صبغة دينية كالإمامة ورئاسة الدولة وقيادة الجيوش في الجهاد والولاية على الصدقات وغيرها. ومع هذه الحقوق – أو ما يقابلها – يثبت عقد الذمة ثلاث واجبات على أهل الذمة: أولها: أداء التكاليف المالية من جزية وخراج وضرائب وغيرها. وقد بينا حقيقة الجزية، وهم في تكليفهم بالخراج والضرائب الأخرى سواء والمسلمين فليس فيها شيء يجب باختلاف الدين، وإنما تجب على أنواع الأموال والتجارات والأراضي المزروعة دون نظر إلى صاحب أي منها: أمسلم هو أم غير مسلم. وثانيها: التزام أحكام القانون الإسلامي، لأنه قانون الدولة التي هم مواطنوها، ويحملون جنسيتها، وهذا كما يجب عليهم يجب على المسلمين أبناء الدولة، فلا رمزية لأحد، ولا نقص يدخل به على أحد. وثالثها: مراعاة شعور المسلمين، فلا يجوز لهم أن يسبوا الله ولا رسوله ولا دينه ولا كتابه جهرة، ولا أن يروجوا من الأفكار ما ينافي عقيدة الدولة ما لم يكن ذلك جزءً من دينهم كالتثليث والصليب عند النصارى، وعلى أن يقتصروا في ذلك على أبناء ملتهم، لا يذيعونه في أبناء المسلمين ليفتنوهم عن دينهم. وهذا الواجب يقابل الواجب الملقى على المسلم دينا باحترام ديانات الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم، وبالإمساك عن جدال أهلها إلا بالتي هي أحسن، وبالإحسان إليهم أداءً لحق ذمة الله ورسوله والمؤمنين. وإذا انتقلت تلك الحقوق والواجبات في الدولة الإسلامية العصرية من النطاق العقدي إلى النطاق الدستوري، فإن ذلك لا يؤثر بشيء في التزام الدولة الإسلامية العصرية بها: قضاءً من حيث هي واجب أو حق دستوري، وديانة من حيث هي راجعة في أصل تقريرها إلى وضع ديني. وفي ذلك مزيد من تحقيق لمصلحة غير المسلمين في الدولة الإسلامية، وزيادة ضمان لحماية حقوقهم، فإن ما أوجبه الدين لن يستطيع حاكم مسلم أن يتحلل منه أو يجاهر بعدوان عليه أو إنكار له. 6- في ظلال الأخوة: إن الذي يدرس نظاما طبق في دنيا الناس أكثر من عشرة قرون لا ينصف إن لم يدرس مع أحكامه المنصوصة آثاره المطبوعة في القلوب، الماثلة في حي العلاقات بين الخاضعين لهذه الأحكام. وإذا كان التطور الوطني والدولي قد قادنا إلى الاجتهاد في فهم بعض النصوص وبعض الأوضاع فإن الواقع العملي للحياة بين المسلمين وغيرهم من مواطني الدولة الإسلامية لأكثر إشراقا وإنصافا مما يظن بعض الجامدين، ويروج له بعض المتعصبين من الفريقين جميعا، ويثيره بينهم من حين إلى حين أعداء وحدتهم والمستفيدون من فرقتهم وهوانهم وضعفهم من الغربيين والشرقيين على حد سواء. ففي مأثور السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قيامه لجنازة يهودي وقوله حين سئل: أتقوم لجنازة يهودي يا رسول الله؟: أليست نفسا؟ ومنها أنه مات ودرعه مرهونة عند كتابي في بعض قوت أهله، وقد كان أصحابه يكفونه لو أراد، ولكن كان يشرع للأمة ويعلمها حسن التعامل مع الآخرين. وفي الصحيح من المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يسأل القادمين من الأمصار عن أحوال أهل الذمة، ويشدد في المسألة حتى يقال له: لا نعلم إلا وفاء وبرا محضا، فيقول: الحمد لله. ومات وهو يوصي الخليفة بعده خيرا بأهل ذمة المسلمين، وأن يقاتل من ورائهم – يعني يحميهم – ولا يكلفهم فوق طاقتهم. وإذا قفزنا عبر القرون المتوالية من تاريخ الإسلام نجد في القرن الميلادي الحالي شهادة من المعتمد البريطاني في مصر نشرتها الصحف البريطانية في 26/1/1911م نصها (إن المسلمين والأقباط يعيشون معا بهدوء واطمئنان بصفة عامة، إذا ما تركوا وشأنهم. وإن أسوأ خدمة يمكن أن نقدمها – يعني الإنجليز – للأقباط هي أن تكون معاملتهم كجماعة أو طائفة منفصلة). ولم يغب ذلك عن الفقهاء فقرر القرافي في معنى البر بهم أنه: (الرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وكساء عاريهم، ولين القوم لهم على سبيل التلطف والرحمة، واحتمال إذياتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفا بهم لا خوفا، والدعاء لهم بالهداية وأن يجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم، في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم، وإيصالهم إلى جميع حقوقهم). ذلك هو ما سميناه في مطلع هذا البحث مقتضى الأخوة الإنسانية التي عاش في ظلها المسلمون وغير المسلمين. فهل لأحد بعد ذلك مطلب؟ وهل فوق هذا البر والفضل من بر وفضل؟ ولذا قال علي رضي الله عنه لواليه على مصر (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم.. فإنهم صنفان: أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق). وصدق الله تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم، ونحن له مسلمون).
تحياتي
8 نوفمبر، 2008 الساعة 7:16 م #1183581مجد العربمشاركما رأيك أنت فيما نقلت ؟
9 نوفمبر، 2008 الساعة 4:29 م #1184257(((فتى العرين)))مشاركالحمدلله رب العالمين
أن جعلنا من المسلمين
13 نوفمبر، 2008 الساعة 1:50 م #1188033(((فتى العرين)))مشاركرجعت لأرى راي الاخ طارح الموضوع
27 نوفمبر، 2008 الساعة 11:29 م #1197320ابوصائب الكنجمشاركمشكوووووووووووووووووووووووووووووور ندم الحب على الطرح القيم
11 يناير، 2009 الساعة 2:56 م #1217667ندم الحبمشاركرايي
ان نحمد الله علي نعمة الاسلام
تقبل مروي
22 يناير، 2009 الساعة 6:15 ص #1222062slousherمشاركشكراً لك
1 فبراير، 2009 الساعة 12:14 م #1226371ندم الحبمشاركهيك انا عايز اعرف راي مجد العرب عن الموضوع
3 فبراير، 2009 الساعة 9:39 ص #1227262بحبها ومجروحمشاركيسلمو اخي علي الموضوع
بس اظن انه طويل وهقراه في سنه خخخخخخخالله يعطيك العافيه
17 مارس، 2009 الساعة 2:48 م #1249473ندم الحبمشاركالله يعينك اخي
تحياتي الك..31 مارس، 2010 الساعة 7:02 ص #1408344moharram777مشارك -
الكاتبالمشاركات
- يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.