الرئيسية منتديات مجلس الفقه والإيمان ~ بدر معركة رمضانية وقالب يتكرر ~~~~خطبة مفيدة ورائعة للدكتور الش

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #1150256
    ~~~بدر درس في معركة فرضت قبل بذل الأسباب الواجبة ~~~~خطبة متميزة للدكتور الشيخ : صهيب السقار~~~
    الحمد لله مجري السحاب وهازم الأحزاب. الحمد لله الذي من بالنعمة العظمى في غزوة بدر الكبرى. في مثل هذا اليوم خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع البدور البدريين في طلب القافلة التي اقترب موعد رجوعها من الشام. ألف بعير محملة بأموال لا تقل عن خمسين ألف دينار ذهبي‏.‏ إنها فرصة ذهبية للمسلمين ليستردوا بعض أموالهم التي سلبها المشركون ولذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للتطوع في الخروج لهذا الغرض فقال‏:‏‏(‏هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها‏)‏‏.‏
    واستعد المسلمون وبذلوا الأسباب التي تمكنهم من بلوغ هذا الهدف فخرج معه ثلاثُمائة وثلاثةَ عشر صحابيا واكتفوا بفرسين‏ وسبعين بعيرا.
    لكن الله تبارك وتعالى يريد للبدريين أمرا يزيد على ما استعدوا له. وإذا أراد الله أمرا هيأ له أسبابه. فيصل الخبر إلى مكة ثم يسهل الله نجاة القافلة ويحشد أهل مكة جيشا فيه ألف وثلاثُمائة مقاتل معهم مائة فرس وجمال كثيرة لا يعرف عددها خرجوا من ديارهم بحدهم وحديدهم يحادون الله ورسوله ‏{‏بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ‏}‏.
    وفي الطريق تلقوا رسالة من أبي سفيان يقول لهم فيها‏:‏ إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا‏.‏
    وفعلا هم جيش مكة هم بالرجوع، ولكن أبا جهل قام مناديا:‏ والله لا نرجع حتى نرد بدرًا، فنقيم بها ثلاثًا، فننحر الجَزُور ونشرب الخمر، وتعزف لنا القِيان. فإذا رأيت رأس الكفر يطيش غطرسة وكبرا ورعونة فاعلم أن الله تبارك وتعالى يتمم بطيشة الحكمة والمراد. وفعلا واصل الجيش سيره حتى نزل بالعدوة القصوى على حدود وادى بدر‏.‏
    أما جيش المدينة فقد نقلت عيونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر إفلات العير وإصرار المشركين على المواجهة. فصار المسلمون أمام امتحان عسير امتحان مفاجئ لم يستعدوا له فما الأسلم في مثل هذا الوضع. هل يليق بمثل هذه النخبة التي خرجت في طلب المال أن تنسحب إذا أراد الله لها شرفا وعزا وجهادا في سبيله؟ ويعرض القرآن حال أهل بدر فيقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:‏ ‏{‏كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ‏} أرادوا القافلة لكن الله يريد أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون.‏
    ويستشير النبي صلى الله عليه وسلم أهل بدر في هذا التغيير المفاجئ فيقوم المقداد ويقول‏:‏ يا رسول الله، امض لما أراك الله، فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْك الغِمَاد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه‏. ويقوم سعد بن معاذ‏ ويقول: امض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا فسِرْ بنا على بركة الله‏.‏
    وينجح البدور البدريون في أول اختبار نجاحا باهرا. نجاح تعلموا منه أن الظروف إذا فرضت عليهم قبل أن يستعدوا له فعليهم أن يختاروا ما اختاره الله تبارك وتعالى لهم من شرف الجهاد في سبيله. ولهذا سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ونشطه فقال‏:‏ ‏‏(‏سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدنى إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم‏)‏‏.‏
    ويعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشه‏. ويبيت الليل وهو يصلي إلى جذع شجرة يتضرع إلى ربه أن ينصر هذه القلة المباركة
    ويمن الله على المسلمين بأول تأييد إلهي في هذه المعركة ‏فاذكروا{‏إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ‏} فباتوا وقد غمرت الثقة قلوبهم، وأخذوا من الراحة قسطهم؛ يأملون أن يروا بشائر ربهم بعيونهم صباحًا‏:‏
    وفي الصباح تبدأ المعركة بمبارزة يفقد فيها المشركون ثلاثة من خيرة فرسان قريش وساداتها. فاستشاطوا غضبًا، وكروا على المسلمين كرة رجل واحد‏.‏ وثبت المسلمون وتلقوا هجمات المشركين وهم مرابطون في مواقعهم. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ويقول‏:‏ ‏‏(‏اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك‏ ‏اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا‏)‏‏.‏ وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق، وقال‏:‏ حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك‏.‏ لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألح في الدعاء حتى غلبته إغفاءة واحدة، ثم رفع رأسه فقال‏:‏ ‏‏(‏أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، وعلى ثناياه النقع‏)‏‏.‏ فخرج وهو يثب في الدرع ويقول‏:‏ ‏{‏سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ‏}‏ ‏‏(‏شدوا‏ عليهم ‏والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة‏)‏، ‏‏(‏قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض‏)‏. قلوب الشباب هي القلوب التي انتفضت بنداء رسول الله. يتقدمهم الفتى عوف بن عفراء فيقول‏:‏ يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏(‏غَمْسُه في العَدُوّ حاسرًا‏ من غير درع فيخلع الفتى درعه ويشق صفوف المشركين حتى لحق بقوم باعوا أنفسهم في سبيل الله يقاتلون في سبيله فيقتلون ويقتلون. ويخرج عُمَيْر بن الحُمَام تمرات يأكل منهن، ثم يقول‏:‏ لئن أنا حييت حتى آكل تمراتى هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بتمراته ثم قاتلهم حتى قتل‏.‏
    هذه أمجاد شباب المسلمين التي نستذكرها في ذكرى هذه الغزوة لنعيد قيمنا وفخرنا إلى نفوس شبابنا. هذه أمجاد على كل أب وأم أن يذكروا بها الأبناء. يا أحفاد علي وخالد وسعد وحمزة والقعقاع أيليق هذا بأبنائكم مثلا وأسوة؟ كيف ترضى لأبنائك أن يتربى أحدهم على أمجاد الأفلام الغربية؟ يهلك فيها بطلهم الحرث والنسل ويتلف المال ويقتل العباد ثم يدير ظهره للمعركة لا نرى منه إلا أثر دخانه. يا أخت الإسلام أتليق هذه البطولة الخرافية بمثل أبناء عفراء رضي الله عنها. أبناء عفراء هم الذين سمعوا دوي أبي جهل في ساحة المعركة يثبت جنده فيحلف باللات والعزى ويقول: لا نرجع حتى نقيدهم بالحبال، يا أهل مكة خذوهم أخذًا حتى نعرفهم بسوء صنيعهم‏.‏ ولكن تعلم من غزوة بدر أن الله تبارك وتعالى يكتب نهاية الطاغية على أيدي فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى. يقول عبد الرحمن بن عوف: التفت وأنا في الصف يوم بدر فإذا عن يمينى وعن يسارى فتيان، ففال لي أحدهما‏:‏ يا عم أرني أبا جهل فقال له‏ يا ابن أخي ما تصنع به‏؟‏ فقال‏ الفتى:‏ أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ والذي نفسي بيده لئن وجدنه لا أفارقه حتى يموت أحدنا. فنظرت إلى أبي جهل يجول في الناس‏.‏ فقلت‏ لهما:‏ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، ونظر ابن عفراء رضي الله إلى أبي جهل فوجد رماح المشركين وسيوفهم حول أبي جهل تحيط به لحفظه فلم يتأخر بل تقدم نحوه فضربه ضربة بترت نصف ساقه، لكن ابن أبي جهل رد عليه بضربة بترت يده إلا جلدة أبقت يده معلقة بجسده فجعل يقاتل طوال يومه وهو يجرجر يده خلفه، يقول معاذ فلما آذتني يدي وضعت عليها قدمي، ثم تَمَطَّيْتُ بها عليها حتى طرحتها وقاتل حتى قتل‏.‏ وظفر أخوه مع صاحبه بأبي جهل فقتلاه ثم انصرفا ليبشرا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏‏(‏الله الذي لا إله إلا هو‏؟‏‏)‏ فرددها ثلاثًا، ثم قال‏:‏ ‏‏(‏الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)
    وأنزل الله تبارك وتعالى بعد المعركة تحليلا إلهيا لهذه المعركة الخالدة في سورة الأنفال. هذه غزوة فرضها الله تبارك وتعالى على خير البشر ليقدموا تجربة ودرسا سيستفيد منه المسلمون في كل عصر. الله تبارك وتعالى يصدر بعدها بيانا إلهيا يطالب فيه بتذكر أمور يجب أن نتذكرها كلما تذكرنا هذه التجربة الرائدة.
    القرآن لا يرضى أن نكتفي في استذكار غزوة بدر باستذكار صفحات النصر ونزول الملائكة والتأييد الإلهي بالنعاس والمطر. مثل هذه الصورة المجتزئة ستربي أجيالا من المشجعين الذين يحتفلون بالنصر ويتنكبون في المحنة ولهؤلاء الذين لا يطيقون المحن والشدائد يقول الله تبارك وتعالى: (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) اذكروا أن أهل بدر لم يؤيدوا بالملائكة إلا بعد صبر طويل صبروا فيه على الحصار والتعذيب والجلد والحرق. اذكروا مافعله عقبة في شقاوته وخبثه، لما رأى أكرم الخلق محمدا صلى الله عليه وسلم ساجدا فجاء بأمعاء جزور فوضعها على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم. وجعل المشركون يضحكون، و يتمايل بعضهم على بعض مرحًا وبطرًا‏. اذكروا ثلاثة أعوام من الحصار الكامل في شعب أبي طالب حصار دفعهم إلى أكل الأوراق والجلود، وكانت تسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يقارعون الجوع. اذكروا ما قدمه عمار بن ياسر من دروس الصبر يموت أبوه تحت العذاب أمامه ويطعن أبو جهل سمية أم عمار في قبلها بحربة فتموت أمامه وهو صابر. اذكروا لما وضعوا على رأس خباب حديدة أوقد عليها حتى احمرت ثم سحبت على ظهره فما أطفأها إلا شحم ظهره‏.‏ كل ذلك ولم نسمع من أحدهم تبرما ولا يأسا ولا ندما ولا استسلاما. لم نأنس من أحدهم تقاعسا لم يحن أحد منهم ظهره أمام ما يواجهه من قهر وتسلط. لم ييأس أحد منهم من نصر ربه. لم يتخل أحد منهم عن الشرف الذي خصهم الله به في حمل هذه الرسالة ونشر الدعوة. اذكروا أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يستنزل مدد السماء يوم أن كانت الدعوة تتطلب منه أن يقدم الأسوة في الثبات والصبر على الأذى في سبيل الله. يجب أن نستذكر أن الاستغاثة بالله يعقبها مدد الملائكة الله تبارك وتعالى. تذكروا ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يشارك بالقتال في هذه المعركة بل اتخذ له عريشا يطل منه على المعركة ليعلمنا درسا ما وعيناه بعد، درس يبين لك واجبك إذا قدر لك أن تراقب معركة من معارك المسلمين فلا تقف متفرجا بل ناشد ربك حتى يسقط رداؤك.
    تذكروا (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ)
    في هذا البيان الإلهي يحذركم أن تفهموا من تأييده بالملائكة والنعاس والمطر أن الله تبارك وتعالى سيقدم لكم خوارق العادات لتخرجكم مما أنتم فيه فيقول الله تبارك وتعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
    في هذا البيان الإلهي يخاطب الطغاة أيضا بقول الله تبارك وتعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ)
    لا تفهموا من غزوة بدر أن الله تبارك وتعالى سينزل الملائكة لتقوم بما كلف الله به المسلمين من نصرة الدين لأن الله تبارك وتعالى أمرهم بالأخذ بالأسباب فلما أخذوا بالأسباب التي توصلهم إلى هدفهم في إحراز القافلة أيدهم بالملائكة في هذه الحال ثم قال لهم من بعد هذه الغزوة ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ)
    هذا البيان الإلهي تضمن جملة من الأوامر والنواهي أولها: (فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا) (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس)
    تذكروا أن النصر في المعارك الخالدة يكتب للقلة الصابرة التي لا يضرها من خذلها (لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة)

    #100943
    ~ بدر معركة رمضانية وقالب يتكرر ~~~~خطبة مفيدة ورائعة للدكتور الشيخ :صهيب السقار

    07.10.22 نشر في 14-09-2008 18:14 المشاركة رقم: 2204

    فكيف يمكن من غير مقدمات أن نتوجه بوجداننا إلى مثل هذه الساعات من يوم الجمعة من رمضان؟ الأحداث في مثل هذه الساعات من يوم الفرقان تتسارع تسارعا لا يمهل أديبا، أحداث تتسارع ولا تمهل أديبا ولا بليغا يحاول وصفها ونقل الناس لمتابعة أحداثها. لملم وتعجل في جمع مايلزمك للحاق بعين هذه الساعات من يوم الجمعة من رمضان. قبيل ساعات خرج نبيك محمد صلى الله عليه وسلم مع ثلاثِمائة وثلاثةَ عشر بدرا من بدور بدر الكبرى. خرجوا في طلب ألف بعير محملةٍ بأموالٍ تزيد على خمسين ألف دينار ذهبي‏.‏ لكن الله تبارك وتعالى يريد أن تنجو القافلةُ، ليجد البدريون أنفسهم أمام ألف وثلاثمائة مقاتل خرجوا من ديارهم بحدهم وحديدهم، خرجوا يحادون الله ورسوله ‏{‏بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ‏}‏.
    أطلق لروحك العنان لتتيه في نشوة ذكرى هذا الصباح. في مثل هذا الساعات تبدأ المعركة بمبارزة يفقد فيها المشركون ثلاثة من خيرة فرسانهم وساداتهم. فيستشيطون غضبًا ويحملون على المسلمين حملة رجل واحد‏.‏ وهاهم بدور محمد صلى الله عليه وسلم يستقبلون هجمات المشركين وهم مرابطون في مواقعهم. وها هو نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ينظر إلى سيول المشركين تنحدر على بدوره وأصحابه. هاهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على العريش يناشد ربه ويقول‏:‏ ‏‏(‏اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك،‏ ‏اللهم إن تَهلك هذه العصابةُ اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا‏)‏‏.‏ هذا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن مَنكِبيه، وهذا الصديق أبو بكر يرد عليه رداءه ويقول‏:‏ حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك‏. ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم يصر على التذلل بين يدي ربه حتى غلبته إغفاءة واحدة، ثم يرفع رأسه ويقول‏:‏ ‏‏(‏أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع‏)‏‏.
    أطلق لروحك عنان التعرض لنفحات هذه الذكرى. استحضر في مثل هذه اللحظات أن نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم ينطلق مستبشرا، يقفز ويثب في درعه ويقول‏:‏ ‏(‏أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله){‏سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ‏}. ‏ ألق السمع وأنت شهيد وائذن لجلدك أن يقشعر وأنت تستحضر في مثل هذه اللحظات نبيك ‏ينادي ‏(‏شدوا‏ عليهم، ‏والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة‏)‏.
    * إذا تمليت من عطر هذه الذكرى ونشوتها، فانزل من سماء الوجدان لتجد على الأرض من يتظاهر بالموضوعية والعقلانية. يقول لك أحدهم: ماذا بعد إحياء هذه الذكرى؟ ماذا جنيتم من إحيائها عاما بعد عام؟ ماذا تجنون من تذكر النصر في غزوة بدر وأنتم الآن في سفح الهزيمة والضعف والهوان والتخلف؟ كيف لا تملون تكرار الحديث عن الماضي السحيق؟ قرعتم آذان البشرية بمعركة انتصر فيها مئات على مئات قبل مئات السنين.
    كيف طمستم أبصاركم عن النظر في واقعنا ومآسينا والتفتم وراء ظهوركم تستذكرون معركة بائدة! معركة بائدة باد فيها الفرسان والأفراس قبل قرون؟
    حسبنا الله في من هبط بنا من قمم الوجدان إلى قعر سماه عقلانية وواقعية وموضوعية.
    وحتى ننساق مع الموضوعيين والعقلانيين يجب أن نبدأ بالجواب بما يبدأون به من تعريف مسألة البحث في اللغة والاصطلاح. أما في اللغة فينظر تعريف غزوة بدر في قواميس اللغة ومعاجمها. وأما في الاصطلاح فهي معركة فرضت على صفوة وعصابة مختارة. كرهها فريق منهم، وجادل فيها فريق أخرجوا إليها كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون. لكن الله تبارك وتعالى اصطفاهم واختارهم. الله تبارك وتعالى اختارهم ليوم فرقان يوهن كيد الطغاة الذين شاقوا الله ورسوله. (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ {} يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ {} وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينََ) (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ)
    *لو كانت بدرُ معركة بائدة لما اشترك فيها جند الأرض مع جند السماء. لو كانت بدرُ معركة بائدة لما اشترك فيها الملأ الأعلى. جبريل عليه السلام قاد فيها الملائكة على ثنايا النقع. لو كانت معركة بائدة لما أوحى فيها ذو الجلال والإكرام إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا. لو كانت كما قيل لما أنزل الله من بعد نهاية المعركة بيانا يخلد الأمر بتذكرها واستذكارها. لو كان استذكارها عبثا لما كرر الله تبارك وتعالى الأمر باستذكارها وتذكرها في أحد عشر موضعا. (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ) (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ) (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ) (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً) (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ). عليك أنت يجب أن تتذكر وتتدبر كل هذه المواضع. المقام لا يتسع إلا للإشارة إلى موضع واحد. في موضع واحد من بين جميع المواضع يصرح الله تعالى بالأمر بالتذكر. في موضع واحد من بين جميع المواضع يصرح بالأمر بالتذكر ولا يترك لك تقديره وفهمه. في هذا الموضع يريد أن يؤكد ويعتني بتذكر شيء من غزوة بدر تكثر غفلة الناس عنه. يقول الله تبارك وتعالى: (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ)
    قف عند ثلاثة أوصاف وأحوال ذكرت في هذا البيان المعجز. استضعاف وقلة وخوف من تخطف الناس. كلما أصيبت الأمة بالاستضعاف والقلة وخوف تخطف الناس فعليها أن تترقب تدبيرا إلهيا. تدبير إلهي يختار الله طائفة من المؤمنين يخرجهم من بيوتهم وهم كارهون، كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون. كلما أصيبت الأمة بالاستضعاف والقلة وخوف تخطف الناس فعليها أن تترقب تدبيرا إلهيا. تدبير إلهي يختار الله فيه بدورا ليحق بهم الحق ويبطل بهم الباطل ولو كره المجرمون.
    فاذكروا ولا ينسينَّكم واقع القلة والاستضعاف أن الله سيقطع دابر الكافرين ولو كره المجرمون. اذكروا غزوة بدر إذ عدها الله تبارك وتعالى فرقانا بين الحق والباطل إلى قيام الساعة. الله تبارك وتعالى أمضاها سنة من سنن لن تجد لها تبديلا ولا تحويلا. سنة يمضي فيها شرطها وجواب شرطها إلى قيام الساعة (إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ، وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ، وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ، وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ).
    هذا تاريخ الأمة يشهد بتكرار ما أمر الله باستذكاره. كلما تذكرت الأمة ما أمر الله بتذكره أرسلت إلى سماء المجد بدورا تنير تاريخ البشرية ومستقبلها. في سماء المجد يجري بدر خالد بن الوليد مع أربعةٍ وعشرين ألفا من المسلمين. يواجهون في رمضان ما يزيد على عددهم بمائة ألف من الروم. الله تبارك وتعالى وفق المسلمين لتسمية غزوة بدر بالكبرى. الله وفقهم في هذا التسمية لأنه خلد الشرط على الطغاة والمشركين. (وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ، وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ). لما علا طغيان الروم وكفرُهم أخرج الله طائفة من المؤمنين ليمحق بهم كيد الكافرين. بأربعة وعشرين ألفَ بدر يمحق الله باطل ما يزيد على عددهم بمائة ألف. معركة ثبت فيها بدور اليرموك وقاتلوا فيها قتال عشاق الحور، وقاتلت معهم النساء أشد القتال حتى ظهر الحق وزهق الباطل.
    * وكلما اختال الطغاة وغرهم ما أصاب المسلمين من قلة واستضعاف وخوف. كلما عاد الباطل بحده وحديده وخرج أنصاره ‏{‏بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ‏}‏ جدد الله يوم الفرقان. لما ظهر باطل الفرنجة واختالوا بحدهم وحديدهم أخرج الله في رمضان طارق بنَ زياد. الله تبارك وتعالى اصطفاه مع اثني عشر ألفا من بدور المسلمين ليوهنوا كيد مائة ألف من طغاة الفرنجة، كل بدر من المسلمين يقابل ثمانية من الفرنجة. واتصلت الحرب ثمانية أيام ثبت فيها بدور ابن زياد ثباتا متأسيا بثبات بدور محمد صلى الله عليه وسلم.
    قلب التاريخ لتعرف كيف تكرر شرط بدر الكبرى وجواب شرطها. قلب تاريخك لتعلم أن الله تبارك وتعالى جعل من غزوة بدر قالبا ودرسا مستفادا يضرب فيه المثل لهذه الأمة.
    لما تذكرت الأمة ما أمر الله به أن يذكر محق الله بهم في رمضان جحافل المغول والتتار والصليبين في حطين وجلولاء وغيرها من معارك الإسلام الخالدة.
    * امتثلنا لأمر الله تبارك وتعالى فتذكرنا ما بنا من قلة واستضعاف وخوفٍ من تخطف الناس. ثم نظرنا في الأرض فرأينا باطلا ظاهرا واستكبارا طاغيا. فهل أخرج الله طائفة من المؤمنين وهم كارهون كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون؟
    أيها المسلم المهموم المهزوم أنت الذي أرقتنا بذكرك آلامك وأوجاعك. أنت الذي اختزلت غزوة بدر وأحداثها في مشهد واحد. مشهد واحد توهمت فيه أن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم مؤيدا بالملائكة فقاتل بهم وحسم المعركة. أنت الذي لم تتذكر ما أمر الله بتذكره (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبوتك أو يقتلوك) (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون). أنت لم تذكر أن نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم كان ساجدا فوضع المشركون أمعاء جزور منتنة على ظهره الشريف، وجعلوا يضحكون ويتمايل بعضهم على بعض مرحًا وبطرًا‏. ماذا رأيت من آلام كالتي رآها عمار بن ياسر. يموت أبوه تحت العذاب أمامه، وتطعن أمه في قلبها بحربة فتموت أمامه وهو صابر. ألا نستحيي من ذكر آلامنا إذا تذكرنا حديدة أوقد عليها حتى احمرت، ثم وضعوها على رأس خباب فخشخش صوتها فوق فروة رأسه، ثم سحبت على ظهره فما أطفأها إلا شحم ظهره‏.‏ كل ذلك ولم نسمع من أحدهم تبرما ولا يأسا ولا ندما ولا استسلاما.
    أيها المهموم المهزوم أنت الذي أسكرتك الآلام وجعلت على بصرك غشاوة، غشاوة آلام ما عدت ترى معها واقعك ولا تذكر ماضيك ولا تستشرف مستقبلك.
    واقعنا اليوم لا يخرج عن سنن الله الذي توعد الطغيان والكفر فقال (وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) وهاهو الطاغوت والاستكبار عاد واستفتح كما استفتح الذين من قبلهم. هاهو الكفر والطغيان لم يمتثل لأمر الله الذي قال فيه (وإن تنتهوا فهو خير لكم). عاد راعي البقر بحده وحديده، وخرج من داره مع أحزابه بطرا ورئاء الناس ليصدوا عن سبيل الله. أخرج حباله يلوح بها فوق رؤوس العباد والبلاد.
    وفجأة من غير أمر تجدد أمام أنظارك التي غشاها واقعك وآلامك. فجأة نكس راعي البقر حباله. وفجأة صار الطائش الأرعن يتمسك بالحكمة والسياسة ويتظاهر بالأناة والكياسة. أقنعنا بأي شيء أخزى الله تبارك وتعالى طيشه ورعونته وكبح لجامه.
    هذا فرعون الكفر قد بلغ أشده واستوى على عرش كبريائه وطغيانه. فإذا أردت أن تنتظر وتراقب كيف سيحق الله الحق بكلماته ويقطع دابر الكافر. إذا أردت أن تنتظر وتراقب هل سيحق الله الحق بالقلة المستضعفين. إذا أردت أن تنتظر فارجع إلى غزوة بدر لتقتدي بنبيك بانتظار نبيك محمد صلى الله عليه وسلم عند العريش.

مشاهدة مشاركاتين - 1 إلى 2 (من مجموع 2)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد