الرئيسية منتديات مجلس الثقافة الأدبية والشعر أرض ودماء وجسد… (الجزء الأول)

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #100393
    translatorzaki
    مشارك
    [size:12pt] يبدو أن كريستي لم تكن مقتنعة بما كان كرولف يسوغ لها من

    أعذار بشأن تخلفه عنها في كثير من المواعيد السابقة، كان يستشف ذلك من

    كثرة المعاني التي لا تلبث تسمعه إياها، كانت ذكية درجة الذكاء، تفهمه حين

    يريد الكلام وتعي كل ما يريد قولــه وهو صامت، أحيانا يحجم من أن يكذب

    عليها؛ إذ كان لا يرى من اللازم فعل ذلك وهو على يقين من أنها تعي كذبه،

    وأحيانا كثيرة لا يتورع في اختلاق أسباب الشجار حتَّــى يتفادى أسئلتها

    المحرجــة… أما اليوم وهي تقف أمامه فقد كان بارعا في إدارة الحديث؛ إذ

    جعل من الكلمات التي كانت تتقاذفها شفاهه ملاذا آمنا تستـر فيه من ينابيع

    الشك التي كانت تساورها حول سلوكاته المشبوهـــة…

    كانت ترمقه بنظرات لها من المعاني ما يؤكد ظنونه من أنها على علم

    بشيء ما، لكن رغم ذلك أفهمه صمتها أنها مستعدة لمنحه فرصة جديدة، كانت

    ضعيفة رغم تشبثها بالظهور في ثوب القوة، أخذها في أحضانه عميقـــا وقال

    لها، بعد أن أذاب كبرياءها بقبلة ملتهبـــة على شفتيها: ستكونين لي ولن

    أسمح بأن تكوني لغيري… أعدك…

    ابتسمت بازدراء ولم تقل شيئــا قبل أن يردف: تعلمين أنك الحب الأول في

    حياتي، وطبعا… الأخير…

    نظرت إليه بانكسار وقالت بلهجة لا تخلو من خبـــث: أتمنى ذلك…

    أحس من خلال كلماتها المقتضبة وصمتها الطويل أن كلماته الروتينية لم تعد

    تشفي غليلها، ومن أنَّ ما تحمله تجاهه من شك أكبر بكثير من أن تطفئه هذه

    الكلمات، بدا الموقف سخيفــا… جدا

    لازالت بين أحضانه ولم يستطع سحب يديه من على خصرها، كان يتأمل صفاء

    عينيها عساه يجد في صفائهما ما يبدد ظنونه، كانت ترفع عينيها إلى عينيه

    وما تلبث أن تنزلهما، تبادلا النظرات طويلا، وأخيرا قالت، وكأنها تريد ختم

    اللقاء: إذا حدث وأن عرفت غيري، فأرجوك ألاَّ تنساني، لك الحق في أن تعرف من

    تشاء، لكني أريدك لي في النهايـــة… لي ولا لأخرى سواي…

    إغرورقت عيناها فأراد أن يقاطعها ولكنها واصلت: لقد ضحيت بالكثير من أجلك

    ولا يمكن أن أراك لغيري… مازال أمامك مشوار طويـل، الجامعة ثم الجيش، ثم

    الوظيفة، وستلتقي بالكثيرات خلال هذا المشوار الطويل، إنني خائفة…

    خائفة…

    بدأت الدموع تنهمر من عينيهـا، ولم يجد ما يطمئن به قلبها الجريــح إلا أن

    أحكم ضمها إلى صدره، وطوقها بذراعيه، أراد أن يتكلم ولكنه جبن، احتقر

    نفسه لحظة… احتقر الخيانة في شخصــه… لكنه رغم ذلك واصل تمثيل دور

    المحب الوفي… وانطلق من جديد في بعثرة الكلمات الروتينية التي يحفظها

    والتي حفظتها كريستي… وأخيرا قال لها: لا أفهم لم تقولين هذا الكلام؟ لم

    كل هذا الشك والحيرة؟

    قالت في توتر واضح: إنه مستقبلي… أقصد مستقبلنا معا، مستقبل لايزال غير

    محدد المعالم…

    قال لها في ثقة متكلفــة: سأعمل على أن يكون المستقبل لنـــا…

    في هذه اللحظات كانت الأمطار تزداد غزارة، وأخذ الجو في التقلــب، ما

    جعل كريستي تلتصق به أكثر فأكثر وتمنى لو يستمر الحال على ما هو عليه،

    كان الجو معتدلا في الصباح، لذا فقد كانا بملابس خفيفة كليهما، ما جعل

    جسميهما يلتصقان ويذوب نهداها على حدود صدره، أدرك لحظتها معنى أن يتعلق

    بهذا الجسد لما أحس من شعور بالدفء غريب… وتعلم حينها فقط كيف يتكلم

    الجسد. لا يدري إن كانت تقصد إثارته، أم أن المطر ما دفعها إلى الالتصاق

    به. لم يجد ما يقول لمواجهة صمتها الحزين إلا أن أضاف إليه صمته. وتذكر في

    غمرة هذه اللحظات كلام صديقه غاردي.

    كانغاردييقول له وهما في الصف الثانوي: لا تدع المرأة تأسرك بجسدها

    ولكن اجعلها أسيرة له. قال له: وكيف ذلك؟ قال: لا تجعل إطراءك عليه، وإن

    أرادت استمالتك إلى أحد أعضاء جسدها أو كله، فتصرف بلا مبالاة، واطلب منها

    دوما أن تغطي صدرها وساقيهــا… إن المرأة التي تمتلك موهبة حقيقية،

    تقضي جهدها ووقتها كلهما مع موهبتها، وتستولي هذه الموهبة على تفكيرها

    وعقلها، فإذا دخلت حياتها صرت جزءا من تفكيرها، صغيرا كان الجزء أم

    كبيرا، المهم أنك جزء ولست الكل، وأهمية أن تكون جزءا في حياة امرأة؛

    أنها لن تحاول أسرك…

    – لأنني الجزء ولست الكل…

    – ولأن الجزء مهم ولكنه ليس الأهم، فستكون أكثر حريـــة في حياة

    المرأة الموهوبة…

    – أما إذا كانت من غير مواهب، فسأكون الكل في حياتها وبالتالي

    ستحاول أسري والنيل من حريتي…

    – والجسد طبعا سلاحها إلى ذلك.

    – والحل في تجاهل هذا السلاح وعدم الاكتراث بــه؟ ولكن…

    – وجد جسد المرأة ليستمتع به الرجــل، ولكن أن يصير المقابل حريته

    فهذا هو الثمن الذي لا يجب دفعه.

    – إن في كلامك الكثير من الأنانية!

    – والكثير من الواقعية أيضًــا… إذا أرادت المرأة لعب ورقة الجسد

    فاعلم أنها تريد أسرك… جسدها في النهاية سيكون من نصيبك، لأنه أساسا وجد

    من أجلك.

    – ومن غير المعقول دفع ثمن شيء وجد أساسا من أجلنا!

    – خاصة إذا كان الثمن… الحريـــة!

    – أجل… الحريـــة!

    كانت كلماتغارديواضحة وهو يستحضرها اليوم، ربما حان الوقت لتكون أكثر

    من مجرد كلمات، ولكن هل تريد كريستي حقا أسره بجسدها أم أن الموقف جاء

    عفويا؟! هذا ما كان يفكــر فيه قبل أن تحضره بقية كلام غاندي:

    – كل المخلوقات في الوجود تعرف مكان أسلحتها ووقت استخدامها، إذا

    اقتربت من الكلب أبرز أنيابه، وإذا رآك القنفذ استشعر جلده المشوك،

    والسلحفاة تحتمي داخل صندوقها المنيع. أما المرأة فسلاحها ذو حدين، أقصد

    سلاح الجسد طبعا؛ فهي تحاول إثارة الرجل بتسهيل الوصول إليها تارة، وتحاول

    إثارته بتصنع الامتناع تارة أخرى، وفي الحالتين كلتيهما، تصبو إلى خلق ذلك

    الربط بين الرجل وجسدها…

    لازالت كريستي ملتصقة به، عليه التزام الحذر، فلعلها تريد لعب الورقة

    الأخيرة التي تملكها، بدأ المطر يخف شيئا فشيئا ما جعله يستغل الفرصة

    لإبعادها عنــه بدون أن يشعرها بذلك…

    – ألا يبدو الوقت متأخراً؟! قال لها وهو يعتزم إنهاء اللقاء.

    – أجل… علي العودة إلى البيت.

    – عيناك ساحرتان كريستي!

    – ……….

    – إنهما أصفى من السين…

    – ……….

    – وشفتاك شهيتان… جدًّا.

    – ……….

    أطبق على شفتيهـــا من جديد، وتماوجت معه في تناغم سحري، أسند ظهرها إلى

    الجدار وراح يعبث بشعرها الذهبي.

    كان المكان خاليا إلا من قلة من البنائين في هذا الحي الجديد غير الآهل في

    أحد أطراف المدينة، مرت الدقائق سريعــا…

    * * * * *

    في اليوم الموالي ذهب كرولف إلى بيت غاردي ليساعده في التحضيرات

    الجارية لزفاف شقيقته درين الأصغر منه سنا، في الواقع؛ كان كرولف يريد

    التحدث إلى درين ليستعلم منها ما إذا كانت كريستي قد أسرت لها بشيء

    ما، لكنه لم يستطع مفاتحتها في الموضوع. كان الجميع في منزل غاردي

    مشغول بوضع آخر الترتيبات للعرس. صعد كرولف السلم لتركيب حبل الأضواء

    الملونة عند مدخل الفيلا، بقيغاردي في الأسفل يفك عقد الأسلاك ليمدها إياه،

    كان يتحيَّن الفرص للتحدث إلى درين.

    كان كرولف يعلم يقينا أن كريستي لابد وأن تكون قد أسرت بشيء إلى

    رفيقة دربها درين؛ هما صديقتان منذ الطفولة وقد زادت سنوات الدراسة من

    تعلق إحداهما بالأخرى، هما ظل بعضهما، كانت درين السبب في تعرف كرولف

    على كريستي أيام كان يدرس مع غارديفي الثانوية. كان يمضي الساعات

    الطوال في مراجعة الدروس في بيت غاردي في الوقت نفسه الذي

    كانت كريستي تتردد فيه على درين، هناك رآها فتعلق بها وأحبها، داعب

    الشعور ذاته قلبها ومن تلك السنوات والحب بينهما يناطح عنان السماء، إلا

    أن كرولف؛ ورغم حبه العظيم لـكريستي، تعرف على فتاة في الجامعة ونسج

    معها خيوط علاقة عنكبوتية، بدأت تصرفاته تتغير نحو كريستي، لاحظت

    المسكينة ذلك بقلق كبير، عندما أحس أنه يخطئ في حقها، كانت تصرفاتها نحوه

    قد تغيرت، يريد الآن استعادة ثقتها بأي ثمن، لكن قبل ذلك يريد أن يتأكد من

    أن كريستي لا تدر بخيانته لها…

    يبدو أن الفرصة من أجل التحدث إلى درين مستحيلة، حتى وإن حضرت

    الفرصة فالوقت غير مناسب تماما، غاردي غارق في العمل، غدا يوم

    زفاف درين، لا يعلم كرويف متى ستأتي كريستي، يتردد في سؤال غاردي،

    أخيرا يفضل عدم السؤال عنها، سيمضي النهار كله هنا مع غاردي، إنه يحترق

    شوقا لرؤيتها، ليتني لم أخنها، هذا ما كان يقول في نفسه، لكن فات وقت

    الندم، علي التفكير فيما سيأتي، لا يزال الوقت مبكرا والأشغال على قدم

    وساق، انتهى غاردي من تركيب أسلاك الأضواء الملونة على امتداد الفيلا،

    ينزل من على السلم، يرى ما أنجز…

    – هل يبدو منظرها جيداكرويف؟

    – اه… اي ه… أجل أجل…

    – أرى أن الناحية الأخرى أقل من هذه الناحية.

    – يبدو كذلك…

    – لكن لا بأس، على كل تبدو جيدة.

    – آه نعم… جيدة.

    – ما بك كرويف؟

    – لا شيء… أجل لا شيء إطلاقا…

    يبتسم غاردي ولم يقل شيئا لكن ابتسامته تقول أنه يعرف سبب

    انشغال كرويف، في هذه اللحظة يأتي السيدستون على متن سيارته الفارهة،

    يتوقف، ينزل متجها نحوهما

    – أهلا شباب هل كل شيء على ما يرام؟

    – كل شيء على ما يرام يا أبي.

    – ممتاز… ألم يسأل عني أحد؟

    – اتصل استو دي ماركيز يعلمك أنه قادم وقت الغداء…

    ينظر السيدستون إلى ساعة يده وينصرف إلى الداخل، التفت كرويف

    إلى غاردي قائلا

    – يبدو أن والدك يشغله العمل أكثر من الزفاف !

    – كما تعلم الانتخابات على الأبواب، ولا وقت له للتحضير للزفاف…

    يسكت قليلا ثم يواصل

    – لو لم أكن أنا موجودا لما تم شيء، لقد طلب والدي من جيزيلي

    مرارا تأجيل الزفاف ولكن جيزيلي مستعجل لأنه سيسافر الأسبوع القادم إلى

    كندا ولن يعود قبل السنة المقبلة…

    – إذن سيرحل مباشرة عقب الزفاف؟

    – سيمكث ثلاثة أيام أخرى على الأكثر…

    – اللـه يكون في عون الست الوالدة ستشتاق لــدرينكثيرا.

    – كلنا سنشتاق لها…إيه… هذه سنة الحياة يا صديقي.

    – أجل…

    هنا تخرج الخادمة لتخبرهما بأن طعام الغداء جاهز والسيدستون

    بانتظارهما، دخلا إلى صالة الطعام، السيد ستون جالس بعظمته المعهودة

    يطالع الجريدة في كرسيه التاريخي وسط الطاولة، ما إن رآهما حتى وضع

    الجريدة من بين يديه، أخذا مكانين حول الطاولة، لم يكن الطعام قد وضع

    بعد، التفت السيدستون إلى كرويف قائلا

    – كيف حال الجامعة هذه الأيام كرويف؟

    – على ما يرام، ماشي الحال…

    – أنا طبعا أتكلم عن المظاهرات التي يقوم بها الطلبة هذه الأيام،

    الأجواء متوترة هاه؟

    – هؤلاء الطلبة الذين يقومون بالمظاهرات متسيسون، وهناك جهات خارج

    الجامعة تحاول تحريكهم خاصة مع اقتراب الانتخابات، أنا لا علاقة لي

    بالمظاهرات، حتى أني لا أعلم بمطالب هؤلاء الطلبة.

    يبتسم السيدستون بوقاره المعهود وهو يقول

    – هذا أفضل… ليت كرويف يكون مثلك ويبتعد عن التنظيمات الطلابية

    التي لا تجلب غير الفوضى…

    ابتسمنا جميعا، نظر السيدستون إلى الساعة

    – لقد تأخر السيدأستو دي ماركيز…

    حمل السيدستون هاتفه النقال واتصل بالسيدأستو دي ماركيز، أنهى

    المكالمة ولم تمض لحظات حتى دخل السيددي ماركيز، سلم علينا، عانق

    السيدستون طويلا، الظاهر أنهما لا يلتقيا منذ مدة طويلة، بدأ الخدم في

    ترصيص أنواع المأكولات على الطاولة، بدأ الجميع في تناول الغداء، لم يتوقف

    السيدانستون ودي ماركيز عن الكلام عن أحوال الحزب والسياسة والانتخابات

    المقبلة، لم يكن كرويف يعي ما كان يقال عكس غاردي الذي كان يشاركهما

    الحديث، لم تأت كريستي، أو أنها أتت ولكن لم يشعر بقدومها أحد، الوقت

    يمضى بسرعة، انتهت وجبة الغداء، توجه السيدان إلى المكتب لمواصلة الكلام

    بينما بقيكرويف وغاندي في صالة الطعام يتسامران ويضحكان، في آخر

    المساء ودع كرويف غاندي، ورجع إلى بيته يجر علامات الاستفهام التي لم

    يجد بداخله حلا لها…

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ترقبوا الأجزاء اللاحقة قريبًا

مشاهدة مشاركة واحدة (من مجموع 1)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد