الرئيسية منتديات مجلس الفقه والإيمان ~{استقبال رمضان بين السلف والخلف}~خطبة ممتازة للدكتور صهيب السقار

مشاهدة 4 مشاركات - 1 إلى 4 (من مجموع 4)
  • الكاتب
    المشاركات
  • #100263
    الحمد لله الذي بارك بالأجر والحسنات، أيام قلائل ويهل هلال شهر الله علينا بالأمن والأمان والسلامة والإسلام.
    هذا الشهر الذي قرنه الله تبارك وتعالى بالقرآن فاستفتح فيه نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا. هذا الشهر الذي قرن فيه الصيام بالقرآن على لسان نبيك محمد صلى الله عليه وسلم فقال: ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قال: فيُشفعان)
    أراد الله ورسوله أن يعلو في هذا الشهر هجير الخلق بالقرآن في بيوتهم وخلواتهم وطرقاتهم ومتاجرهم. هذا الشهر الذي ينبغي أن نتنافس فيه ونتسابق إلى مجد القرآن الكريم. هذا المجد الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه . ومن قرأ القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عَظَّم ما صَغَّر الله وصغر ما عظم الله)
    هؤلاء سلفنا رضوان الله عليهم فهموا عن الله ورسوله ارتباط الصيام بالقرآن فكان أبو حنيفة والشعبي رحمهما الله تعالى يختمان في رمضان ستين ختمه. وكان كثير منهم يختم القرآن في رمضان كل ليلة.
    رمضان موسم من أهدافه تنبيه المجتعات إلى إظهار الخير وإعلانه. وإظهار الخير والتدين من أوجب الواجبات في إصلاح المجتمعات. هذه المجتمعات التي يجهر فيها الفساق بالمعاصي والفجور في الطرقات والأندية ثم يستحيي المؤمنون من إظهار الشعائر والعبادات، معصية تظهر وطاعة تستر فيتحقق في هذه المجتمعات قول ربك تبارك وتعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا) ظهر الفساد وغلب على ظهور الخير والصلاح فاستحقوا أن يعاقبهم الله تبارك وتعالى على ما ظهر.
    فما الذي يمنعك أن تحدث أقرانك بالقدر الذي ختمته من كتاب الله تبارك وتعالى حتى يشيع فينا جو التنافس؟ من يظن أن الإخلاص يتطلب منك أن تبتعد عن عيون الخلق وأسماعهم كلما أردت أن تقرأ القرآن. وقد صحّ عن التابعيّينَ أنهم كانوا يجتعمون على ختم القرآن‏. وقال مُجاهد‏:‏ كانوا يجتمعون عند ختم القرآن يقولون‏:‏ تتنزلُ الرحمةُ‏.‏
    وكان ابن عباس يأمر رجلاً أن يُراقب من يقرأ القرآن، فإذا أراد أن يختمَ أعلم ابنَ عباس رضي اللّه عنهما، فأتى إليه ليشهد معه ختمه ودعوته‏.‏ وكان أنسُ بن مالك رضي اللّه عنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا‏.‏
    ما الذي يمنعك أن تتحدث عن فضل الله تبارك وتعالى عليك إذ هدى ولدك إلى قيام جزء من الليل؟ رمضان شهر يربيك لتظهر أمرا وتخفي أمرا. رمضان يربيك على الإخلاص في ما يظهر منك من العبادة ويربيك على اختيار ما سيكون سرا منها بينك وبين ربك. رمضان يربيك على الإخلاص حين يظهر للخلق اجتماعك على النوافل معهم في صلاة التراويح، ثم يربيك على أن تحتفظ بشيء من السر بينك وبين ربك في جوف الليل إذا أغلقت الأبواب ونام الأهل والأولاد.
    رمضان شهر يريد الله تبارك وتعالى أن يربيك فيه على الانتماء إلى الأمة والأسرة والجماعة وأن يضبط فيه انعزالك بانعزالك لعبوديته. أنت تصوم في الشهر الذي يصوم فيه الخلق لا تستطيع أن تختار لنفسك الفطر فيه على أن تسبدله من تلقاء نفسك بصوم شهر آخر. أنت تفطر في اللحظة التي يفطر فيها مجتمعك وتمسك عن الطعام في اللحظة التي يمسكون فيها.
    ترى قمة ما يقدمه الإسلام من تربية الأفراد على الاجتماع قبيل لحظات الإفطار جرب أن تتأمل اجتماع المسلمين جميعا على حال واحدة يشدهم الجوع والظمأ. تأمل عظمة هذا الدين في ضبط هؤلاء الخلق جميعا. أي فكر وأي دين يقدم مثالا أروع من هذا المثال في توجيه البشر وتوحيدهم. في تلك الصورة التي يجتمع فيها الملايين من الجياع العطاش أمام طعامهم وشرابهم وفي ثانية واحدة يبدؤون بالفطر كأنهم تدربوا في جيوش نظامية ربتهم على أرفع صور الانضباط العسكري الجماعي. هناك تتجلى عظمة الخالق الذي من أجله حرموا النفس مما تشتهي. هذه اللحظات التي يذعن فيها البشر بالعبودية فيمسكون عن الطعام والشراب وهو أمامهم وبعد لحظات سيصبح الطعام والشراب من أفضل العبادات والقربات وملائكة الله تطوف في الأرض لتغبط البشر على هذه الصورة التي يجتعون فيها على عبودية الله وطاعته.
    رمضان جاء بآداب اجتماعية دينية لا تستطيع أن تتحلل منها. رمضان يشجعك على الأدب مع مجتمعك فيجعل الله تبارك وتعالى لك كأجر الصائم إن فطرته ليربيك على حسن العشرة
    ومتطلبات العيش ضمن الأسرة والأرحام والجيران.
    رمضان يربيك على تحكيم كمال الأدب في علاقتك مع الأسرة والأرحام والجيران والمجتمع
    قال جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما): (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك)
    رمضان يشتد في محاربة الآفات التي تصيب المجتمع ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)
    رمضان يحذرك من أن تكون مع أولئك الذين وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ! ورب قائم حظه من قيامه السهر!)
    روى الإمام أحمد في مسنده أن امرأتين صامتا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكادتا أن تموتا من العطش فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض ثم ذُكرتا له فدعاهما فأمرهما أن يتقيا فقاءتا ملء قدح قيحا وصديدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ماحرم الله عليهما .جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس).
    الإسلام لا يسمح لك أن تهجر من حولك وأن تنعزل وتغلق باب دارك تكف خيرك وشرك. بل يدعوك إلى الخروج من هذه الكهوف لتقيم جسور المودة والرحمة والنصيحة.
    فإن كنت تحضر أصدق النيات وإن كنت تشد العزائم لتقوم الليل وتصوم النهار وأنت تعرض عن أرحامك فلا يغرنك طول القيام وتعب الصيام لأن ربك تبارك وتعالى يقول في الحديث القدسي (أنا الرحمن وهذه الرحم شققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته)
    وهذا نبيك محمد صلى الله عليه وسلم يبين لك فيقول: { إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم }
    قبل أن تمني نفسك بالتضرع إلى الله في ليالي رمضان عد إلى وصل ما أمر الله به أن يوصل. هؤلاء أصحاب نبيك محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يعلمون أن قطع الأرحام يمنع من إجابة الدعاء. كان أبو هريره رضي الله عنه يستوحِش مِن الجلوس مع قاطِع الرّحم، ويقول: ( أُحرِّجُ على كلِّ قاطعِ رحمٍ لَمَا قام من عندنا )
    وكان ابن مسعود رضي الله عنه جالسًا في حلقته في المسجد بعدَ صلاة الصبح فلما أراد أن يغتنم فضل الوقت والظرف بالدعاء قال لأصحابه (أُنْشِدُ الله قاطعَ رحمٍ أن يقوم عنَّا فإنّا نريدُ أن ندعوَ ربَّنا، وإنّ أبوابَ السماء مغلقة دونَ قاطِع الرّحم)
    حاسب نفسك قبل أن يدخل عليك الشهر الكريم.أنت أكبر رابح بوصل أرحامك وأنت الخاسر الأكبر باستمرار القطيعة. لن تعذر ولو كان أرحامك هم المعتدون المتجاوزون. لن تعذر بكف الأذى عنهم مع قطيعتهم. بالله عليك يا قاطع الرحم لا تعتذر بالكرامة وتعلل بالإهانة؟ احتفظ بهذه العزة والكرامة فما عاد العصر يسمح للتبجح بها فقد لامست صيحات الأرامل واليتامى أذني ألف مرة فما صادفت في نخوة ولا عزة فمن أين تنبع هذه الكرامة في علاقتي مع صهري وعمي وأختي؟
    يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم أي عذر لمن منع زوجته من زيارة أهلها من شهور؟
    لا تقبل من أحد أن يقول أهانوني وسبوني. المسلم يتحامل على نفسه والله تبارك وتعالى يفاتحك بأعظم البشرى فيقول: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه)
    لم يمدحهم الله تبارك وتعالى بالصلاة والقيام والزكاة وإنما امتدحهم فقال: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين)
    سأنال حب ربي تبارك وتعالى وأجعل من نفسي أهلا لحب الله لي في هذا الشهر الكريم سأنتظر أول الشهر الكريم لأعيد وصل أرحامي جميعا سأكون ذليلا كما أمر الله تعالى، لن أعاتب ولن أحاسب. حسبي أن ربي مناني بمحبته. حسبي أن ربي الكريم وعد بأن يتولى جزاءي فقال: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)
    لن أشترط اعتذارا ولن أطالب برد مال. وماذا أفعل بالمال وأنا الموعود بجوار محمد صلى الله عليه وسلم إذ قال: ( أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أكملكم إيمانا أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يؤلفون ويألفون) يا فوز من كان قاطعا أو مقطوعا فاستهل هذا الشهر وبادر في وصل الأرحام ففاز بقرب المجلس من محمد صلى الله عليه وسلم. كم من عابد وزاهد قطعت آماله ولم تتجاوز به أعماله ليصل إلى هذا القرب. وواصل الرحم لم تصل به أعماله وإنما أوصله الله تبارك وتعالى إذ قال: (أنا الرحمن وهذه الرحم شققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته)
    صحيح أن عمي آذاني وجفاني لكني سأكون معه رقيقا رفيقا لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( أهلُ الجنة ثلاثة : صاحب سلطانٍ مُقسط ، ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلب بكلّ ذي قُربى ومسلم ، ورجلٌ غنيّ عفيف متصدِّق) هذا دين المحبة والرقة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا)
    فاغتنم هذا الشهر الذي تطيب فيه النفوس وتخف الشحناء لتفاتح أرحامك بما يعود عليك وعليهم بمفتاح القبول في هذا الشهر الكريمز بادر بالجود والكرم والعطف على أرحامك متأسيا بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم ( فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود مايكون في رمضان فيكون فيه أجود بالخير من الريح المرسلة.)
    هذه فرصة تعينك وتنصرك على نفسية زوجك وأولادك الذي قطعوا أرحام أعمامهم. رمضان فرصة تقدم فيها المثل لأولادك بالترفع عن حظوظ النفس وخفض جناح الذل للأرحام. فقدم مكاسب الوصل وتربية الأولاد على حظ نفسك واستعن بهذه المناسبة التي تلين فيها القلوب وتصفد فيها الشياطين على كسر هذه الحواجز التي خسرت بها شرطا من شروط الإجابة والرحمة.
    فهنيئا لمن علم موانع الاستثمار في هذا الشهر الكريم فسارع لوصل أرحامه .
    ويا فوز من علم أن أربح التجارات في هذا الشهر تلاوة القرآن وتحسين الأخلاق
    (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )
    وصلى الله على نبينا محمد القائل أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل

    #1141443

    تسلم ويعطيك العافيه

    #1141642
    hams55
    مشارك

    موضوع مفيد جدآ

    اشكر لك جهدك جعله الله قي ميزان حسناتك

    جزاك الله كل خير .

    وجعل منه علمآ ننتفع به

    طرح موفق ان شاء الله,,,

    #1142949

    الحمد لله رب العالمين

مشاهدة 4 مشاركات - 1 إلى 4 (من مجموع 4)
  • يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع.

يستخدم موقع مجالسنا ملفات تعريف الارتباط الكوكيز لتحسين تجربتك في التصفح. سنفترض أنك موافق على هذا الإجراء، وفي حالة إنك لا ترغب في الوصول إلى تلك البيانات ، يمكنك إلغاء الاشتراك وترك الموقع فوراً . موافق إقرأ المزيد